عن أي وشاية تتحدّثون؟!

بقلم تادي عواد
عن أي وشاية تتكلّمون؟ عن أي “طعن في الظهر” و”غدر” تحاولون تعليق فشلكم عليها لتبرير عجزكم؟ في لبنان، السياسيون لا يجرؤون على قول الحقيقة، ولا يجرؤون على مواجهة اللبنانيين. وكلما انكشف ضعفهم، أو فشلوا في إدارة أي ملف، هربوا إلى اختراع قصص ومسرحيات لتضليل الناس وحرف الأنظار عن الحقيقة الجوهرية: عجزهم التام، وضعفهم المزمن، وخوفهم الدائم من المواجهة.
اخترعوا لنا “راجح” جديداً أطلقوا عليه اسم “الوشاية”. صار كل فشل يُرمى على “عميل مجهول”، وكل تراجع يُلصق بـ”خائن خفي”، وكل قرار خاطئ يُفسَّر بـ”غدر”. وكأنّ اللبنانيين بلا ذاكرة، وكأنّ الناس لا تعرف من المسؤول ومن المذنب ومن الشريك ومن المستسلم.
هل تحتاج السعودية إلى وشيٍ ليخبرها بما تعرفه؟
هل كانت السعودية بحاجة إلى وشيٍ لبناني ليشرح لها فشل سياسات سعد الحريري؟
هل تحتاج من يهمس في أذنها لتعرف أنّه رفض المواجهة مع حزب الله، وفضّل التسويات والمواءمات على الصدام؟
هل كان السعوديون ينتظرون تقريراً سرّياً ليعرفوا أن الحريري سلّم البلد للحزب خطوة خطوة، ولم يُقدم يوماً على اتخاذ قرار حقيقي يعيد التوازن السياسي في لبنان؟
الحريري رفض علناً الذهاب إلى المواجهة مع الحزب، وفضّل التعايش معه. وهذه حقيقة يعرفها اللبناني قبل الخليجي، والصحفي قبل السياسي، والشارع قبل الدبلوماسية.
والعهد الجديد؟! الوشاية أيضاً؟
أعلن العهد السياسي الجديد أنّ سلاح حزب الله يجب أن يكون حصراً بيد الدولة. كلام جميل ومفهوم.
لكن حين تراجعت القدرة على تنفيذ هذا الالتزام، وعندما ظهرت الصعوبات المعروفة، عاد الخطاب ذاته:
وشاية، غدر، مؤامرة، واتهامات مبهمة.
السلاح ليس سراً، ولا يحتاج إلى من “يكشفه”. فهو معلن وموجود ومعبَّر عنه في كل مناسبة، فكيف يصبح مادة لاتهامات “الوشاية”؟ ولمن يشكو المسؤولون ممّا يعرفه الجميع؟
وهل تحتاج الولايات المتحدة إلى وشاية؟
هل تحتاج الولايات المتحدة، الداعم الفعلي لإسرائيل، والتي تراقب كل حركة لحزب الله، إلى “واشي” لتعرف أن الدولة اللبنانية فشلت في حصر السلاح؟
هل تحتاج إلى من يخبرها أنّ الحزب يعلن صراحة أنه لن يسلّم سلاحه؟
وأنّه يطوّر قدراته العسكرية كل يوم؟
وأنه لن يتفاوض مع إسرائيل حتى لو انهار البلد؟
العالم كلّه يعرف. الحزب نفسه يقول ذلك علناً.
فلماذا تكذبون على الناس؟ ولماذا تستخفّون بعقول اللبنانيين؟
قولوا الحقيقة… بشفافية ومسؤولية
لقد ملّ الناس من الخطابات التي تُلقي اللوم على “الغدر” و”الوشايات” بدل مواجهة الواقع.
اللبنانيون اليوم بحاجة إلى مصارحة، وإلى مسؤولين يملكون شجاعة الاعتراف بالأخطاء بدل البحث عن شماعات جاهزة.
الحقيقة بسيطة:
من لا يملك القدرة على المواجهة، يبحث دائماً عن مبرّر يُخفي به عجزه.
ولبنان لم يعد يحتمل المزيد من التبريرات.
كونوا صادقين مع الناس… فالحقيقة، مهما كانت صعبة، أرحم من الهروب المستمر منها.




