البيئة الشيعية الحاضنة: الجذر العميق لثنائي الفساد والإجرام في لبنان

بقلم تادي عواد
في بلدٍ اعتاد اللبنانيون فيه إلقاء اللوم على الطبقة الحاكمة، يتّضح يوماً بعد يوم أن مأساة لبنان ليست فقط في السلطة، بل في البيئات التي تنتج هذه السلطة وتبرّر سلوكها. فـ”الثنائي الشيعي” — أي حزب الله وحركة أمل — لم يهبطا من الفراغ، بل هما نتاج طبيعي لبنية اجتماعية واقتصادية فاسدة ومريضة، تشكّلت داخل البيئة الشيعية على مدى عقود حتى غدت اليوم الخطر الأكبر على الكيان اللبناني برمّته.
منظومة فساد محمية بالمظلّة الطائفية
منذ انتهاء الحرب الأهلية، نشأت داخل المجتمع الشيعي منظومة اقتصادية موازية للدولة، تعتمد على التهريب، وتجارة المحروقات والمولدات، والسيطرة على الأملاك العامة، والدواء المهرّب أو المزوّر، وشبكات المخدرات، وكل ما يرتبط بالاقتصاد غير الشرعي.
هذه الأنشطة لم تكن مجرد انحرافات فردية، بل تحوّلت إلى نظام معتمد ومؤسساتي برعاية أحزاب الثنائي، التي استخدمتها كوسيلة تمويل وولاء في غياب دولة قادرة على ضبط الحدود أو تطبيق القانون. وهكذا وُلد نموذج “الدويلة داخل الدولة”، حيث بات المواطن الشيعي يعيش في كيانٍ مستقلٍّ عن مؤسسات الجمهورية، تحكمه الأحزاب لا الدولة، والمصالح لا القوانين.
من المظلومية إلى الهيمنة
لطالما استثمر الثنائي الشيعي في الذاكرة الجماعية للمظلومية، مقدّماً نفسه كحامٍ للطائفة في وجه التهميش التاريخي والخطر الإسرائيلي والخصوم الداخليين. غير أنّ هذه المظلومية تحوّلت تدريجياً إلى أداة للهيمنة والابتزاز، تُستخدم لتبرير كل الممارسات غير القانونية تحت شعار “المقاومة” أو “الصمود”.
ومع مرور الزمن، نجح الثنائي في تحويل الخوف إلى عقيدة، والمساعدات إلى وسيلة تبعية، والولاء الحزبي إلى ممرّ إجباري للعيش والعمل والتعليم. فصارت البيئة الشيعية جزءاً من معادلة الفساد والهيمنة، لا ضحيّةً لها فقط.
المشكلة في الذهنية قبل القيادة
القول إنّ المشكلة في حزب الله أو حركة أمل فقط تبسيطٌ خطير. فالمشكلة الأعمق تكمن في البيئة التي تغطّي، وتبرّر، وتصمت عن الفساد والتهريب والسلاح غير الشرعي.
لقد تحوّلت الذهنية الجماعية في هذه البيئة إلى ما يشبه التطبيع مع اللاشرعية، حتى باتت مخالفة القانون “ذكاءً”، والتهرّب من الدولة “حقّاً”، والولاء للزعيم “واجباً”.
وهنا تكمن الخطورة الوجودية: لأنّ فئة من اللبنانيين لم تعد ترى نفسها جزءاً من الدولة، بل من مشروع موازٍ عابر للحدود، يرتبط بإيران سياسياً وأيديولوجياً، ويُضعف فكرة الوطن نفسه.
بين التواطؤ والإكراه
رغم قسوة الواقع، لا يمكن التعميم على كل أبناء البيئة الشيعية. فثمة فرق بين البيئة المتواطئة التي تستفيد من النظام القائم، والبيئة المقهورة التي تعيش تحت سطوة الخوف والفقر والتبعية الاقتصادية.
الكثير من الشيعة اليوم يرفضون هذه المنظومة في السرّ، لكنهم عاجزون عن المجاهرة خوفاً من البطش، أو من خسارة مصدر رزقهم. هؤلاء هم ضحايا نظام زبائني خانق يربط لقمة العيش بالولاء السياسي، ويجعل أي تمرد مكلفاً جداً.
استعادة الدولة: الحلّ الوحيد
الحلّ لا يكون بالتحريض الطائفي أو شيطنة الطائفة الشيعية ككل، بل باستعادة الدولة القادرة والعادلة التي توفّر بدائل حقيقية عن اقتصاد الحزب ومؤسساته.
فعندما تعود الدولة لتؤمّن التعليم والكهرباء والدواء والوظيفة، سيسقط تلقائياً سحر “الثنائي” وسينحسر نفوذه تدريجياً.
لبنان لا يحتاج إلى حرب أهلية جديدة ولا إلى خطاب كراهية، بل إلى مشروع وطني جامع يُعيد الاعتبار للدولة كمصدر شرعية وحماية وعدالة. فالبيئات الطائفية، مهما بدت قوية، تبقى في النهاية هشّة أمام دولة قوية تحكم بالقانون لا بالسلاح.
إنّ “الثنائي الشيعي” ليس ظاهرة سياسية عابرة، بل نتاج طبيعي لبيئة مريضة أنتجت اقتصاداً موازياً وثقافة لاشرعية.
والتحرّر من هذه المنظومة يبدأ من تفكيك البيئة التي تحتضنها، لا من مهاجمة رموزها فقط. فحين يتحرّر الإنسان الشيعي من الخوف والتبعية والجهل، سيسقط الثنائي تلقائياً، لأنّ جذوره ستجفّ من الداخل.
حينها فقط يمكن للبنان أن ينهض من تحت الركام، لا بوصفه تجمّع طوائف، بل دولة مواطنين متساوين أمام القانون.