تحت المجهر

لبنان والشرق الأوسط: بين أوهام الوحدة الوطنية ووهم السلام الإقليمي

بقلم تادي عواد

لطالما كانت فكرة الوحدة الوطنية في لبنان بعد الحرب الأهلية واحدة من أكبر الأكاذيب السياسية والإعلامية. الواقع التاريخي يقول غير ذلك تمامًا: لم تشهد البلاد أي وحدة وطنية حقيقية. مرحلة ما بعد الحرب كانت تحت سيطرة سورية مباشرة، مصحوبة بسياسات قمعية تجاه المسيحيين، وتفويض السلطة لجهات أخرى، خاصة من الطائفة الشيعية، بينما جُرِّد الجميع من القرار السيادي تحت وصاية خارجية.

المسيحيون الفعليون أُقصوا من مراكز السلطة، وحل محلهم عملاء يخدمون مصالح الاحتلال السوري. ولم تتغير هذه الهيكلية بعد خروج القوات السورية، بل دخل لبنان في مرحلة من الإرهاب السياسي المدعوم بالميليشيات الشيعية الممولة ايرانيا، حيث استُهدفت القيادات المعارضة واحتُلت العاصمة بالقوة، مُمارَسًا الإرهاب والبلطجة كسلاح للحكم، وهو واقع مستمر حتى اليوم.

يمكن القول بلا تردد: لم يشهد لبنان الحديث أي زمن وحدة وطنية حقيقية. وما يُروَّج اليوم عن “الوحدة الوطنية” أو “السلام في الشرق الأوسط” ليس أكثر من أوهام سياسية متكررة، تُستغل لإخفاء الفشل المزمن في إدارة الدولة والمجتمع.

هذا التحليل المحلي يتلاقى مع النظرة الإقليمية التي طرحها السفير الأمريكي لدى تركيا والممثل الخاص لسوريا، باراك، الذي وصف المنطقة بأنها مجموعة قبائل وقرى، وليست دولًا قومية حقيقية. فالدول الحديثة في الشرق الأوسط تأسست عام 1916 على يد البريطانيين والفرنسيين وفق معاهدة سايكس-بيكو، حيث قُسِّمت الإمبراطورية العثمانية بخطوط اعتبرت دولًا قومية، لكنها تجاهلت الانتماءات الحقيقية للسكان.

ويؤكد باراك أن الولاء يبدأ بالفرد، ثم العائلة، فالقرية، ثم القبيلة، والمجتمع، وأخيرًا الدولة القومية، ما يجعل من فكرة السلام في المنطقة وهمًا بعيد المنال، إذ من المستحيل توحيد أكثر من 27 دولة قومية و110 مجموعات إثنية ضمن مشروع سياسي واحد.

الحقيقة الأكثر صعوبة، كما يشير، هي أن ما يوحد الشعوب ليس الشعارات القومية أو الوطنية، بل تحسين حياة الأفراد وأبنائهم. وهذا يضع لبنان والشرق الأوسط أمام تحدٍ كبير: لا يمكن بناء أوهام الوحدة الوطنية أو السلام الإقليمي دون معالجة الواقع الاجتماعي والسياسي الذي يعيشه المواطنون فعليًا.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى