تحت المجهر

بعد تفكيك شبكة “فساد” في وزارة الخارجية… العصابة تنتفض بحملة إعلامية ممنهجة

ليس جديداً على لبنان أن كل محاولة إصلاح حقيقية في مؤسسات الدولة تتحول فوراً إلى معركة مع شبكات الفساد العميقة التي تجذرت لعقود، وتغذت على النهب والابتزاز، وحوّلت الإدارات العامة إلى إقطاعات خاصة. لكن ما تشهده وزارة الخارجية والمغتربين اليوم ليس مجرّد خلاف إداري أو جدل إعلامي، بل هو انتفاضة منظمة من عصابة مصالح فقدت امتيازاتها، فاختارت الرد عبر حملة تضليل وتشويه تستهدف شخص الوزير ومسار الإصلاح برمّته.

هذه العصابة التي عملت سنوات على إفقار الدولة وإذلال المواطن، كانت تتحرك في الظل، وتفرض على اللبنانيين دفع “إتاوات” مقنّعة لإنجاز معاملاتهم. أما اليوم، فقد انقلبت الطاولة عليهم: إقفال منافذ الهدر، ضبط الأداء، إدخال أنظمة شفافة تمنع الرشوة، وفرض الانضباط الإداري. والنتيجة؟ هستيريا سياسية وإعلامية هدفها وقف الإصلاح قبل أن يقضي على آخر مواردهم غير الشرعية.

وبحسب معلومات موثوقة من موظفين في الوزارة يرفضون التشويه الممنهج، فإن ما يجري اليوم هو محاولة لإخفاء جرائم فساد موثّقة، وكسر إرادة الإصلاح قبل أن تتسع خطواته لتطال إدارات أخرى.

 

أولاً – واقع المبنى قبل الصيانة

الصور المرفقة كفيلة بإسكات كل من يحاول تبرير الإهمال: مبنى في حالة انهيار، أوساخ متراكمة، قوارض وحشرات، أسلاك كهربائية مكشوفة تهدد السلامة، ومكاتب تصلح لكل شيء إلا لخدمة المواطنين. هذا الخراب لم يكن صدفة، بل نتيجة إهمال مقصود يوفر بيئة مثالية للفوضى والتلاعب بالمعاملات.

ورشة الصيانة التي انطلقت بتمويل كامل من متبرعين – دون أن تتحمل الدولة ليرة واحدة – جاءت لتعيد المبنى إلى معايير محترمة، وتضع حداً لسنوات من الإذلال للمواطنين.

 

ثانياً – أرشيف متخلف ومكننة تفضح المستفيدين من الفوضى

بعض الصور تكشف عار الأرشيف: سجلات ووثائق الدولة اللبنانية مكدّسة في زوايا رطبة، عرضة للتلف أو الضياع. هذه كانت “أمانة” الدولة في عهد الفاسدين. اليوم، أُغلق هذا الباب نهائياً، وانتقلت الوزارة إلى سيستم إلكتروني متكامل يحفظ البيانات ويؤمّن الوصول السريع لها، ويمنع أي تلاعب أو إخفاء للملفات. وهنا تحديداً بدأ الخوف الحقيقي لدى الفاسدين: المكننة تقتل الفوضى، والفوضى كانت مصدر رزقهم.

 

ثالثاً – وقف التصديقات المؤقت: ضربة في قلب الرشوة

قرار وقف التصديقات مؤقتاً خلال الصيانة كان كاشفاً لحقيقة مُرّة: بعض الأشخاص المستفيدين كانوا يفلّوا على بيوتهم برشوة تصل إلى الألف دولار يومياً. هذا النزيف توقف فجأة، فانطلقت الحملة الإعلامية وكأنها دفاع عن “حقوق المواطن”، بينما حقيقتها دفاع عن خزائن شخصية امتلأت من جيوب المواطنين.

 

رابعاً – التلاعب بالرقم التسلسلي: سرقة موصوفة للمال العام

التحقيقات الداخلية كشفت أن بعض الأشخاص كانوا يعطّلون الآلة التي تطبع الرقم التسلسلي على التصديقات، ما يحرم الدولة من إيراداتها، ويحوّلها مباشرة إلى جيوبهم. إنها سرقة موصوفة، موثقة، ومنظمة، جرى إيقافها، فكان الصراخ الإعلامي هو الرد الطبيعي من العصابة.

 

خامساً – النظام الإلكتروني الجديد: محاولة تخريب فاشلة

مع اقتراب إطلاق النظام الإلكتروني الجديد (E-Electronic Digital) الذي يسمح للمواطن بحجز معاملته وتتبعها بشفافية، ويغلق أبواب الرشوة والابتزاز، لجأت الأيادي القذرة إلى أسلوب خسيس: زرع فيروس في السيرفر لتعطيله. الهدف كان واضحاً – منع انطلاق الإصلاح بأي ثمن – لكن المحاولة فشلت، وسيتم تشغيل النظام قريباً.

 

سادساً – ليبان بوست: فضح الخلفيات

عقد ليبان بوست أُبرم في أيام جبران باسيل عام 2017، لكن المعاملات لم تكن تسلك مسارها الطبيعي عبر الشركة، لأن الموظفين – بالتنسيق مع السماسرة في الخارج – كانوا يربطون المعاملة بالموظف المكلّف من ليبان بوست ويهددونه، فتبقى المعاملة مركونة لشهر أحياناً من دون أن يلمسها أحد، لفتح المجال للسماسرة لابتزاز المواطن وتشغيل السوق السوداء. هذا الواقع كان قائماً قبل أن تبدأ الوزارة بتنظيم التعاون المؤقت مع ليبان بوست خلال فترة الصيانة لضمان استمرار الخدمات. الوزارة ليست مسؤولة عن رسوم الشركة أو طريقة جبايتها، فهي خاضعة لعقد مع الدولة وتحت رقابة الجهات المعنية.

 

المعركة بدأت ولن تنتهي إلا بإسقاط الفساد

ما يجري اليوم ليس سوى الفصل الأول من مواجهة مفتوحة بين الدولة وشبكات النهب. كل صراخ إعلامي أو سياسي ضد الإصلاح هو دليل نجاحه، وكل محاولة تشويه هي اعتراف من العصابة بأنها خسرت امتيازاتها. وزارة الخارجية لن تتراجع، والمعركة لاستعادة الدولة من براثن الفساد مستمرة حتى النهاية.

المصدر : Transparency News

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى