قراءة في المشهد اللبناني الراهن: هل تعود الاغتيالات؟

بقلم تادي عواد
منذ أن تحوّل النقاش السياسي في لبنان من سجال عام إلى مسار عملي لتنفيذ القرار 1701 ونزع سلاح “حزب الله”، تسلّل إلى المشهد الداخلي توتر أمني غير معلن. في الكواليس، تتواتر الأحاديث عن تهديدات ورسائل مبطّنة وعمليات ترهيب تستهدف شخصيات سيادية ارتبط اسمها بثورة الأرز أو بالمطالبة الواضحة بتفكيك منظومة السلاح خارج الدولة.
السياق الأمني الراهن
التوقيت الحرج: تنفيذ قرار نزع سلاح الحزب ليس خطوة إدارية عابرة، بل ضربة مباشرة لعمود نفوذه السياسي والعسكري منذ عام 2005.
الضغط الإقليمي: تراجع النفوذ الإيراني في الإقليم وانشغال طهران بجبهات أخرى قد يدفع الأذرع المحلية إلى استخدام أدواتها القصوى لحماية مواقعها.
مؤشرات ميدانية: رُصدت مؤخرًا أنماط مراقبة وتحركات أمنية غامضة، تشبه ما سبق موجات الاغتيالات في العقدين الماضيين.
دروس التاريخ القريب
منذ 2004، شكّل الاغتيال السياسي الأداة الأكثر فاعلية في إعادة ضبط التوازنات اللبنانية:
2004: محاولة اغتيال مروان حمادة كجرس إنذار للمعارضة.
2005: اغتيال رفيق الحريري الذي غيّر المشهد السياسي وأدى إلى انسحاب الجيش السوري، لكنه لم ينهِ منظومة النفوذ.
2005 – 2012: سلسلة اغتيالات طالت سمير قصير، جبران تويني، بيار الجميل، وليد عيدو، أنطوان غانم، العميد فرنسوا الحاج، الرائد وسام عيد، واللواء وسام الحسن، وكلها جاءت في لحظات مفصلية كانت فيها المعارضة السيادية على وشك تسجيل اختراقات.
دوافع عودة الاغتيالات اليوم
بالنسبة للمحور الذي يمثله “حزب الله”، نزع السلاح هو معركة وجودية. تاريخيًا، عندما يشعر هذا المحور أن الخسارة حتمية، يلجأ إلى:
الاغتيال السياسي لتصفية رموز التغيير.
الفوضى الأمنية عبر تفجيرات أو شغب لإعادة ترتيب الأولويات.
استثارة الشارع الطائفي لتحويل الصراع من مشروع دولة إلى نزاع مذهبي.
السيناريوهات المحتملة
تعطيل مركّز (مرتفع الاحتمال): اغتيال شخصية قيادية أو مدنية مؤثرة لإيقاف الزخم السياسي.
فوضى أمنية موزّعة (متوسط الاحتمال): تفجيرات وأعمال شغب لإرباك المشهد.
استثارة طائفية (أقل احتمالًا لكن أخطر): استفزازات في مناطق حساسة تؤدي لمواجهات مذهبية.
فشل المحاولة أو الاستنزاف السياسي: رد فعل شعبي ودولي قد يسرّع انهيار منظومة العنف.
لماذا قد تفشل الخطة هذه المرّة؟
تعب الشارع: الوعي الشعبي بعد الانهيار الاقتصادي يجعل قبول منطق الإرهاب أصعب.
التداخل الدولي والإقليمي: أي تصعيد كبير قد يجلب عقوبات وضغوطًا إضافية.
ثورة المعلومات: التوثيق الفوري عبر الإعلام الاجتماعي قد يفضح المنفذين ويقلب المعادلة ضدهم.
خلاصة
الاحتمال قائم، والدوافع موجودة، لكن نجاح أي محاولة سيعتمد على قدرة الدولة ومؤسساتها، وعلى رد فعل المجتمع المدني والدولي. الرصاصة التي كانت تعيد عقارب الزمن إلى الوراء قد تصبح هذه المرة بداية النهاية لمن يستخدمها، إذا واجهها لبنان بيقظة شعبية واستنفار أمني ودعم دولي.