تحت المجهر

أحزاب عريقة يديرها مراهقون سياسيون

بقلم تادي عواد

في مشهد يختصر حال بعض القوى السياسية في لبنان، نشهد اليوم كيف تتحوّل أحزاب عريقة، تحمل إرثاً تاريخياً ونضالاً طويلاً، إلى أدوات بيد قيادات مراهقة لا تجيد سوى تصفية الحسابات وتوزيع التهم يميناً ويساراً لتبرير الفشل الذاتي.

فها هو حزب الكتائب، الذي كان يوماً مدرسة سياسية ومنبراً سيادياً، يفشل في الفوز برئاسة اتحاد بلديات المتن، لا بسبب خصومه، بل نتيجة سوء تقدير سياسي وارتباك في القيادة واتخاذ قرارات خاطئة والرهان على الأشخاص الخطأ. لكن بدلاً من الاعتراف بالفشل، سارعت القيادة الكتائبية إلى تحميل القوات اللبنانية المسؤولية، في مشهد بائس يُغني عن الشرح.

وقبله، سعد الحريري الذي اختار أن يكون حمامة سلام وسط عاصفة إقليمية طائفية لا ترحم، وتمسّك بنظرية “الوسطية السياسية” بينما كانت المنطقة تحترق بالصراعات والانقسامات، فلم يجد تفسيراً لفشله إلا باتهام القوات اللبنانية بإفشاله، وكأن الاستحقاق السياسي لعبة أطفال لا تتحمّل جدّية المواقف.

اللافت في هذه الظاهرة أن الفاشلين لا ينظرون في المرآة. لا يراجعون حساباتهم، لا يعترفون بأخطائهم، لا يعيدون تقييم سياساتهم. بل يختبئون خلف شماعة جاهزة اسمها “القوات اللبنانية”، ليتجنّبوا الاعتراف المُرّ: لقد فشلنا.

في السياسة، ليس أخطر من الفشل سوى التهرّب من تحمّل المسؤولية. والأخطر أكثر، أن يُدار هذا الفشل بعقلية مراهقين يصرّون على العيش في حالة إنكار، بدل أن يتعلموا من الفريق الذي أثبت حضوره الشعبي ونجاحه التنظيمي والسياسي.

القوات اللبنانية، شئنا أم أبينا، هي اليوم الفريق الأقوى تنظيمياً وشعبياً على الساحة المسيحية. وهذا لا يُغيّر من الحقيقة شيئاً، سواء اتفقنا مع سياساتها أو اختلفنا معها. لكن يبدو أن هذه الحقيقة مؤلمة جداً لأولئك الذين اعتادوا على تعليق فشلهم على غيرهم.

فإلى متى ستبقى الأحزاب العريقة رهينة صبيانية بعض قادتها؟
وإلى متى سيبقى جلد الذات ممنوعاً والتقييم الذاتي مؤجلاً؟

إن لم تبادر تلك القيادات إلى مراجعة نفسها، فالهاوية السياسية بانتظارها. أما تعليق الفشل على شماعة “القوات” فلن يغيّر من الواقع شيئاً، بل سيزيده بؤساً وسخرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى