سميث: نبيه بري عرّاب الانهيار اللبناني وحارس النظام الفاسد

جون سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، على منصّة “American Thinker”، نشر مقالاً تحدّث فيه عن رئيس مجلس النواب نبيه برّيـ معتبراً أن “وجوده كرئيس للبرلمان اللبناني لأكثر من ثلاثة عقود حالة شاذة، إن لم تكن فضيحة”، واتهمته بتحمل جزء من مسؤولية “انحدار لبنان إلى الخراب الاقتصادي، والانهيار المؤسسي، والتهميش الدولي”.
لكن ما هو لافت أكثر من هذه الاتهامات كانت إشارته إلى أن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات على برّي، ونقل عن مصدر حكومي أميركي قوله إن المسؤولين في واشنطن يعتبرون أن تحالف بري مع “حزب الله” يُشكّل عائقاً خطيرًا أمام تعافي لبنان، وإدارة ترامب تدرس الآن فرض عقوبات مُستهدفة بري وأفراد عائلته وأقرب مساعديه، وفق سميث.
وتحدث سميث في مقاله عن “منح برّي قاعدته الجماهيرين وظائف في القطاع العام وعقود حكومية مقابل ولائهم السياسي”.
الغضب الأميركي ينطلق من رفض بري باستمرار الإصلاحات المدعومة من الولايات المتحدة وكل مبادرة تقودها الأخيرة، ويعرقل مفاوضات صندوق النقد الدولي، ويتحالف مع “حزب الله” وإيران.
هل نرى تلك العقوبات بعد زيارة الموفدة الامريكية الخاصة إلى لبنان ؟
واليكم ترجمة المقالة:
نبيه بري: رئيس المجلس الأبدي في لبنان
بقلم: جون سميث
في معظم الأنظمة الديمقراطية، يُعتبر بقاء رئيس مجلس النواب في منصبه لأكثر من ثلاثة عقود أمرًا شاذًا، إن لم يكن فضيحة. لكن في لبنان، يُعامل حكم نبيه بري المتواصل للمجلس النيابي منذ عام 1992 كقطعة أثاث سياسية: ضخمة، غير قابلة للحركة، وبالنتيجة لا يمكن المساس بها. واليوم، وقد بلغ من العمر 87 عامًا، لم يعد بري مجرد ناجٍ سياسي، بل أصبح رمزًا للطبقة الحاكمة الراسخة التي لا تخضع للمساءلة، والتي أشرفت على انهيار لبنان اقتصاديًا، وتفككه مؤسساتيًا، وتهميشه دوليًا.
محامٍ بالتدريب، وزعيم ميليشيا في الأصل، برز بري خلال الحرب الأهلية اللبنانية كرئيس لحركة “أمل” الشيعية. وعلى الرغم من كونه خصمًا لحزب الله في البداية، إلا أنه وطد تحالفه مع الحزب المدعوم من إيران منذ زمن طويل، مشكلين معًا الكتلة الشيعية المسيطرة في لبنان. فإن كان حزب الله يمثل القوة المسلحة، فإن حركة أمل هي الآلية التي تدير الدولة من الداخل، وتضمن بقاء الوزارات الحيوية والعقود العامة بيد الموالين.
اليوم، يتقاسم الطرفان الشيعيان النفوذ على الدولة والمجتمع: تسيطر “أمل” على الجهاز الإداري، بينما يحتكر “حزب الله” السلاح.
ورغم ادعاء حركة “أمل” أنها علمانية ووطنية، إلا أن سياسات بري بعيدة عن ذلك. فعلى مدار عقود، بنى قاعدة نفوذ في الجنوب والبقاع، حيث يُكافأ الولاء بالوظائف العامة والعقود الحكومية.
في قلب هذه الشبكة من الزبائنية والتحكم بالدولة، ازدهر بري وعائلته. إذ وُجّهت اتهامات عديدة لزوجته رندة بري باستغلال المؤسسات العامة لأغراض شخصية، خاصة في قطاعات التعليم والصحة. كما اتهمها نشطاء بفرض سيطرة مفرطة على المنظمات غير الحكومية والمساعدات الدولية في الجنوب، حيث تملك أمل شبكاتها الأقوى. ويصفها منتقدوها بأنها حولت المؤسسات العامة، لا سيما التعليمية والاجتماعية، إلى إقطاعيات شخصية.
لا رقابة تُذكر، ولا شفافية تعني شيئًا. لطالما ارتبط اسم عائلة بري بقضايا اختلاس الأموال العامة واحتكار مشاريع التنمية، ما جعله موضوعًا دائمًا في وسائل الإعلام وشعارات الاحتجاج. فالشفافية، ببساطة، ليست من قيم العائلة.
وفي الخفاء، ازدهر أقرباء بري في ظله. أيمن زكريا جمعة، رجل أعمال في قطاع الاتصالات وزوج ابنته ميساء، يُعد نموذجًا عن طبقة الأوليغارشية اللبنانية: مترسخ سياسيًا، متنقل اقتصاديًا، ومحمي من المحاسبة. هذا العام، شارك جمعة وشقيقه عماد جمعة—الذي ارتبط اسمه بصفقات مشبوهة في العراق بحسب مصدر حكومي عراقي—في وفد لبناني إلى قمة الاستثمار SelectUSA 2025 في الولايات المتحدة.
وقبل مغادرتهم، استضافتهم السفارة الأميركية في بيروت وكرّمتهم علنًا، ضمن جهودها لتعزيز العلاقات الاستثمارية. لكن بالنسبة لكثير من اللبنانيين الذين يشاهدون من وسط الانهيار الاقتصادي، بدت الصورة مستفزة. أقارب أحد أكثر السياسيين نفوذًا وكرهًا في البلاد يتلقون مجاملات دبلوماسية من واشنطن، بينما تُنهب مؤسسات الدولة التي ساهمت عائلاتهم في تقويضها.
لكن خلف الكواليس، قد تكون هذه التسامحات بدأت تتآكل. إذ أفاد مصدر في الحكومة الأميركية أن مسؤولين في واشنطن باتوا يعتبرون تحالف بري الثابت مع حزب الله عائقًا حقيقيًا أمام تعافي لبنان. ومع تصاعد الإحباط، تدرس إدارة ترامب فرض عقوبات موجهة—ليس فقط ضد بري، بل أيضًا ضد أفراد عائلته والمقربين منه، الذين يُنظر إليهم كمحاور مركزية في شبكة الفساد اللبنانية.
المفارقة صارخة. فرغم معارضة بري المستمرة للإصلاحات المدعومة أميركيًا، وعرقلته لمفاوضات صندوق النقد، وتحالفه مع إيران وحزب الله، لا يزال محيطه يحظى بفرص الحضور في فعاليات دبلوماسية واستثمارية أميركية مرموقة. بالنسبة للمنتقدين، يُعد ذلك مثالًا جديدًا على ازدواجية المعايير الغربية في المنطقة: التنديد بالفساد نظريًا، مع دعم المستفيدين منه عمليًا.
ورغم أن بري يُقدّم نفسه كوسيط وسطي—بين المسيحيين والمسلمين، السنّة والشيعة، الشرق والغرب—إلا أن سجله يُظهر خلاف ذلك. فقد قاوم باستمرار أي مبادرة أميركية في لبنان، من الإصلاح السياسي إلى شروط المساعدات العسكرية. وولاؤه دائمًا ما كان يميل نحو طهران. وخلال الأزمات الإقليمية، اتخذ موقفًا متماهيًا مع الحسابات الإيرانية، مرددًا خطاب حزب الله ومدافعًا عن مصالحه السياسية.
نادراً ما انتقد حروب حزب الله الأحادية أو خرقه لسلطة الدولة. فعندما اندلعت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله عام 2024، لعب بري دور الوسيط فقط بعد توقف القتال—متجنبًا أي انتقاد لشريكه.
داخليًا، خلّف عهد بري حالة من الشلل. فمجلس النواب في ظل قيادته أصبح مقبرة، لا يُعقد إلا عند توافق مصالحه ومصالح حلفائه. الإصلاحات الأساسية التي يطلبها المقرضون الدوليون—مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي أو كبح الزبائنية—تم تأجيلها أو تمييعها أو عرقلتها.
وقد استخدم بري الألعاب الإجرائية وقاعدة “التوافق” غير الرسمية لعرقلة التصويت، ودفن مشاريع القوانين، ووأد التحقيقات. وكان دوره في تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية بين عامي 2022 و2024 دليلاً ساطعًا: فقد رفض ببساطة دعوة المجلس للانعقاد حتى يتمكن من فرض مرشحه.
ورغم كل هذه المناورات، لا يحظى بري بشرعية تُذكر خارج قاعدته المتقلصة. فبين شباب لبنان، خاصة من قادوا انتفاضة 2019، يُعتبر بري من الشخصيات الأكثر كراهية. “كلن يعني كلن” كانت الهتاف الأشهر، لكنه كثيرًا ما كان يُستهدف بشتائم خاصة. فكتابات الجدران في بيروت لطالما حملت شعار “بري = حرامي”. ومع ذلك، لا يزال في موقعه.
ويعود جزء من السبب إلى النظام نفسه. فالنظام الطائفي في لبنان يخصص رئاسة المجلس النيابي للطائفة الشيعية، وحركة “أمل” احتكرت هذا المنصب بفعل التاريخ والقوة. لكن جزءًا آخر يعود إلى الخارج. فالدبلوماسيون الغربيون والعرب، تجنبًا لاستفزاز حزب الله، لطالما اعتبروا بري “الشيعي المقبول”—متناسين، أو متغاضين، عن أن سلطته تقوم على حماية العطب الذي يريدون إصلاحه.
ورغم أن بري يُظهر نفسه كجسرٍ يربط الطوائف ويُطفئ الأزمات، فإن إرثه في الواقع إرث تعطيل. فقد تحوّل المجلس النيابي في عهده إلى مقبرة للإصلاحات. تم دفن قوانين الشفافية والمساءلة المالية. وتم تأجيل الانتخابات الرئاسية لسنوات. وتم تعطيل التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت وفضائح القطاع المصرفي بصمته وتواطئه.
ومع ذلك، لا يزال بري عنصرًا أساسيًا في النظام الذي ساهم في بنائه. تحميه الطائفية؛ ويعتبره اللاعبون الدوليون شرًا لا بد منه. لكن في الداخل اللبناني، نفد الصبر. فالمتظاهرون يهتفون باسمه بغضب. وثروة عائلته وبروزها أصبحت رموزًا لحصانة النخبة.
أن يتمكن صهر بري وشقيقه المحسوب سياسيًا من حضور قمم استثمارية في الولايات المتحدة، بينما يواجه اللبنانيون العاديون انقطاع الكهرباء والجوع وتجميد أموالهم في المصارف، ليس مجرد أمر مهين—بل كاشف. فالأزمة اللبنانية لم تكن عرضية، بل نتاج احتكار النخبة للسلطة، وتواطؤ دولي معهم.
لبنان اليوم دولة فاشلة بكل ما للكلمة من معنى، باستثناء الاسم. عملته انهارت. مؤسساته جوفاء. طبقته السياسية أكثر غنى من أي وقت مضى. ورئيس برلمانه—من دون تغيير منذ 33 عامًا—يجلس في قلب هذا الخراب. فكل الحديث عن الإصلاح لا يساوي شيئًا ما دام بري يُذكّرنا أن المشكلة في لبنان ليست مجرد سياسات فاشلة، بل طبقة سياسية تتقن فن البقاء بينما يموت الوطن من تحتها.
سيبقى نبيه بري ليس فقط رئيسًا لمجلس النواب اللبناني، بل أيضًا رمزًا لاحتضار هذا المجلس البطيء والمطوّل. فطالما أن شخصيات مثل نبيه بري والشبكات التي يستند إليها لم تتم مواجهتها، بل لا تزال تُحتفى بها، فلن يكون هناك أي طريق حقيقي نحو المستقبل في لبنان.
جون سميث هو خبير في شؤون إنفاذ القانون، ويتمتع بخبرة عقود في مجالات العقوبات والمخاطر والامتثال.
الرابط:
https://www.americanthinker.com /articles/2025/05/lebanon_s_nabih _berri_the_perpetual_speaker.html