شبكة تمويل عابرة للحدود: كيف يدير حزب الله أمواله تحت مظلة إيران؟

في خطوة جديدة ضمن استراتيجيتها الشاملة لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم 15 مايو 2025 عن حزمة عقوبات صارمة استهدفت شبكة تمويل معقدة تابعة لحزب الله، تضم مسؤولين كبارًا ووسطاء ماليين ينشطون بين لبنان وإيران ودول أفريقية.
ووفق البيان الرسمي لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، فإن العقوبات شملت أربعة أفراد أساسيين، بينهم اثنان من كبار مسؤولي الحزب واثنان من الوسطاء الماليين الذين ينسقون تحويل الأموال من متبرعين أجانب إلى حزب الله، مرورًا بقنوات مصرفية وتجارية معقدة.
هذه الشبكة، بحسب التحقيقات الأمريكية، لا تقتصر على جمع الأموال داخل لبنان، بل تدير عمليات تحويل نقدي ضخمة من إيران إلى لبنان، وتوزعها على عناصر الحزب في الداخل والخارج، مستخدمة شركات واجهة وحسابات مصرفية في دول ثالثة. ويشرف أحد المستهدفين على العمليات المالية لمجموعات تابعة للحزب في أفريقيا، ما يعكس مدى انتشار وتعقيد البنية المالية لحزب الله.
إيران وحزب الله: تحالف المال والسلاح في خدمة مشروع الهيمنة
تأتي هذه العقوبات في ظل تصاعد الاتهامات الدولية للنظام الإيراني باستخدام حزب الله كذراع عسكرية ومالية لتغذية النزاعات الإقليمية وزعزعة استقرار الدول المجاورة.
واشنطن تؤكد أن طهران تستخدم الإرهاب كأداة نفوذ استراتيجي، حيث تقدم الدعم المالي والتسليحي لحزب الله، الذي بدوره يوجه جزءًا من هذه الأموال إلى تجنيد عناصر جدد، شراء الأسلحة، وتمويل الحملات الإعلامية والدعائية.
التحقيقات الأمريكية كشفت أن جزءًا من الأموال المحولة من إيران إلى حزب الله يُعاد توزيعها لدعم جماعات متحالفة في غزة وسوريا واليمن، ما يعكس الترابط الوثيق بين المشروع الإيراني وشبكة الوكلاء الإقليميين.
من جهة أخرى، تؤكد وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه العقوبات ليست سوى جزء من سلسلة أوسع من التدابير الرامية إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وتقييد قدرة حزب الله على العمل خارج الأطر المالية الرسمية.
وقد دعت واشنطن شركاءها في المنطقة والعالم إلى التعاون في تتبع وتعطيل هذه الشبكات المالية غير المشروعة، محذرة من أن أي مؤسسة أو فرد يتعامل مع الكيانات المدرجة قد يتعرض لعقوبات ثانوية تشمل تقييد الوصول إلى النظام المالي الأمريكي.
تداعيات العقوبات: شلّ الشرايين المالية وتضييق الخناق على المشروع الإيراني
تُعد هذه الحزمة من العقوبات ضربة موجعة للبنية المالية لحزب الله، إذ تستهدف ليس فقط مصادر الدخل المباشر، بل أيضًا الشبكات اللوجستية والتجارية التي يعتمد عليها الحزب في تبييض الأموال ونقلها عبر الحدود.
توسيع دائرة العقوبات يهدف إلى منع حزب الله من تمويل عملياته العسكرية والإعلامية، وإضعاف قدرته على تجنيد عناصر جديدة أو شراء أسلحة متطورة.
على المستوى الإقليمي، تشكل هذه الإجراءات رسالة واضحة لإيران بأن استخدام الوكلاء لزعزعة استقرار المنطقة سيقابل برد اقتصادي دولي قاسٍ، يهدد مصالحها التجارية ويقلص قدرتها على تمويل المشاريع التخريبية.
في السياق اللبناني، يتوقع مراقبون أن تؤدي هذه العقوبات إلى مزيد من الضغط على الاقتصاد اللبناني المنهك أصلًا، حيث يعتمد الحزب على شبكات تجارية ومالية محلية لتأمين جزء كبير من موارده.
كما أن تقييد حركة الأموال سيجعل من الصعب على الحزب تمويل أنشطته السياسية والعسكرية، ما قد يدفعه إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة أو تقليص عملياته الخارجية.
خاتمة: استراتيجية أمريكية متصاعدة… ورسالة واضحة لطهران وحلفائها
تؤكد العقوبات الأمريكية الأخيرة أن واشنطن مصممة على مواصلة سياسة “الخنق المالي” ضد حزب الله ووكلاء إيران الإقليميين، عبر ضرب الشبكات التي تموّل وتسهل عملياته.
الرسالة واضحة: لن يكون بإمكان حزب الله أو أي من أذرع النظام الإيراني العمل بحرية في الأسواق المالية الدولية، وكل من يتعاون معهم سيواجه خطر العقوبات والعزلة الاقتصادية.
في ظل هذا التصعيد، من المتوقع أن تتوسع دائرة العقوبات لتشمل المزيد من الكيانات والأفراد، ما يضعف قدرة طهران على تمويل عملياتها الخارجية ويُضيّق الخناق على مشروعها الإقليمي.
ويبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى ستنجح هذه الاستراتيجية في تغيير قواعد اللعبة الإقليمية، وهل ستدفع إيران وحزب الله إلى مراجعة سياساتهما أم ستدفعهما إلى مزيد من التصعيد والمواجهة؟