تحت المجهر

قبل إلغاء الطائفية السياسية… تطبيق الطائف أولًا وبلا تجزئة!

بقلم تادي عواد

يتردد الحديث عن ضرورة إلغاء الطائفية السياسية في لبنان وكأنها الحل السحري لكل الأزمات، لكن السؤال الجوهري الذي يتم تجاهله عمدًا: هل تم تنفيذ اتفاق الطائف أصلًا حتى نصل إلى هذه المرحلة؟

اتفاق الطائف، الذي وُضع لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء الدولة، لم يكن مجرد تفاهم عابر، بل خارطة طريق واضحة تتطلب تنفيذها بالتسلسل، لا وفق انتقائية مصلحية تخدم فئة دون أخرى. وأول بند أساسي وجوهري في الاتفاق هو حلّ جميع الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

أولًا: تجريد الميليشيات من السلاح

قبل الحديث عن أي إصلاح سياسي أو دستوري، يجب إنهاء مظاهر الدويلات داخل الدولة، وأولها سلاح “حزب الله” وسرايا المقاومة والفصائل التابعة له. لا يمكن لدولة أن تستقيم بينما هناك قوى تفرض قراراتها بالسلاح، وتعطّل المؤسسات، وتفرض أجنداتها بالقوة.

لقد تم حلّ جميع الميليشيات اللبنانية بعد الطائف، إلا أن “حزب الله” استُثني بحجج واهية مرتبطة بالمقاومة، والنتيجة أن هذا السلاح تحوّل إلى أداة سيطرة داخلية، يُستخدم في الانتخابات، ويُشهر في وجه المعارضين، ويُوظف في المشاريع الإقليمية. هذه المعادلة كرّست الفوضى، وأبقت لبنان رهينة لصراعات خارجية.

يخطئ من يظن أن إلغاء الطائفية السياسية في ظل اختلال موازين القوى سيؤدي إلى دولة مدنية. الحقيقة أن أي خطوة بهذا الاتجاه قبل تنفيذ الطائف بالكامل ستؤدي إلى كارثة. إذ كيف يمكن بناء دولة مدنية بينما هناك فريق مسلح قادر على فرض إرادته بالقوة؟!

إن أي تطبيق مجتزأ للطائف يفقده جوهره، ويحوّله إلى أداة تخدم طرفًا على حساب آخر. لا يمكن القفز إلى البند الأخير من الاتفاق بينما لا تزال البنود الأولى عالقة منذ أكثر من ثلاثة عقود.

الحل: تنفيذ الطائف كما هو، بلا تجزئة

تسليم جميع الميليشيات سلاحها للدولة، دون استثناء أو مماطلة.

تثبيت سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.

بعد تحقيق هذه الشروط، يمكن الحديث عن تعديل قانون الانتخابات النيابية، وإنشاء مجلس شيوخ لضمان حقوق الجميع، ومن ثم البحث في إلغاء الطائفية السياسية ضمن سياق طبيعي.

أي محاولة لفرض إلغاء الطائفية السياسية قبل تنفيذ هذه الخطوات ليست إصلاحًا، بل انقلابٌ على اتفاق الطائف، وانزلاقٌ نحو المجهول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى