الاستغلال السياسي للعمل الخيري: بين الحاجة الإنسانية والمصلحة الانتخابية
أثارت صور نشرها النائب نبيل بدر، وهو يقدم مساعدات اجتماعية بمناسبة شهر رمضان، استياءً واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر كثيرون أن هذه الخطوة ليست سوى استغلال واضح لحاجة الناس في سبيل تحقيق مكاسب سياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية.
العمل الخيري بين العطاء والاستعراض
العمل الخيري في جوهره يجب أن يكون نابعًا من إحساس صادق بالمسؤولية الاجتماعية، بعيدًا عن أي أغراض دعائية أو مكاسب شخصية. فكما أشار الناشط سهيل حمدان في منشوره، فإن العطاء الحقيقي يجب أن يكون بعيدًا عن الأضواء، بحيث لا يشعر المحتاج بأنه أداة في حملة ترويجية. إن تصوير الفقراء أثناء تلقيهم المساعدات وإبراز “المانح” في المشهد يشكل امتهانًا لكرامة المحتاج، وهو ما يتنافى مع القيم الأخلاقية والدينية التي تحث على العطاء بسرية ومن دون منّة.
السياسة والعمل الاجتماعي: حدود ضبابية
في لبنان، كما في العديد من الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية، تحول العمل الخيري في كثير من الأحيان إلى وسيلة لكسب الولاءات الانتخابية. فالسياسيون يستغلون حاجة الناس لتقديم مساعدات ظرفية، لا لحل المشكلة من جذورها، بل لضمان استمرار نفوذهم السياسي. وهنا يكمن الخلل الأساسي: فبدلًا من تطوير سياسات اقتصادية واجتماعية تضمن حياة كريمة للمواطنين، يتم استخدام “المساعدات” كأداة لترسيخ التبعية السياسية.
مسؤولية الدولة والمجتمع
إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب دورًا فاعلًا من الدولة والمجتمع المدني. فمن جهة، يجب على الحكومة وضع قوانين تمنع استغلال العمل الخيري في الحملات الانتخابية، وتشجع على إنشاء مؤسسات مستقلة تتولى توزيع المساعدات بعيدًا عن الاعتبارات السياسية. ومن جهة أخرى، على المجتمع أن يكون أكثر وعيًا بمخاطر هذا النوع من “العطاء المشروط”، وأن يطالب بحقوقه الأساسية بدلًا من قبول الفتات في مواسم الانتخابات.
في النهاية، العمل الخيري لا يكون خيريًا حقًا إلا إذا كان نابعًا من نية صادقة بعيدًا عن أي استغلال أو دعاية. أما استخدام المساعدات كأداة انتخابية، فهو تكريس لثقافة الإذلال بدلًا من تعزيز العدالة الاجتماعية. لذا، يبقى التحدي الحقيقي في بناء مجتمع قادر على تجاوز الحاجة إلى هذه “الهبات السياسية”، عبر سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تحفظ كرامة الإنسان وتؤمن له حياة كريمة بعيدًا عن الاستغلال والمساومات.
