هذه حقيقة ما حدث يوم العودة
بقلم تادي عواد –
قبل يومين من انتهاء مهلة الانسحاب الإسرائيلي، تم تسريب معلومات دقيقة تفيد بأن إسرائيل تعتزم إخلاء 19 بلدة جنوبية، على أن يتولى الجيش اللبناني دخولها لتأمينها قبل عودة الأهالي. وقد تسرّبت هذه المعلومات من داخل غرفة عمليات مراقبة وقف إطلاق النار إلى حزب الله عبر أحد ضباط الجيش اللبناني.
استغلال الحدث: لعبة التوقيت والتصعيد
مع تسريب هذه المعلومات، لم يحتج حزب الله إلى وقت طويل لوضع خطته. فقد حشد مجموعات من الأهالي وأوعز إليهم بالاندفاع إلى البلدات فور انسحاب الإسرائيليين، متجاوزين الجيش اللبناني. لكن الهدف لم يكن مجرد دخول هذه القرى، بل فرض مشهد سياسي وأمني جديد يظهر فيه الحزب على أنه الطرف الذي “حرّر” الجنوب، وليس الدولة اللبنانية.
إلا أن الحزب لم يكتفِ بذلك، بل دفع الجيش اللبناني إلى مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي عبر مجموعاته التي حاولت اقتحام المواقع الإسرائيلية، مما أسفر عن سقوط حوالي 28 قتيلاً وأكثر من 300 جريح، وكاد أن يؤدي إلى صدام عسكري مباشر. من خلال هذه الخطوة، أراد الحزب إيصال رسالتين أساسيتين:
أنه الجهة الوحيدة المخوّلة بتحديد توقيت المواجهة مع إسرائيل.
أن الجيش اللبناني مجرد مؤسسة هامشية لا تملك القرار ولا القدرة على فرض سيادتها.
سابقة خطيرة: تهريب داعش في عملية “فجر الجرود”
لم تكن هذه المرة الأولى التي يمنع فيها حزب الله الجيش اللبناني من تنفيذ مهامه الوطنية. ففي أثناء عملية “فجر الجرود”، وبعد أن حاصر الجيش اللبناني تنظيم داعش تمهيدًا للقضاء عليه، تدخل حزب الله بشكل مباشر وأمّن هروب مقاتلي التنظيم عبر الباصات إلى الداخل السوري. لم يكن الهدف حينها حماية المدنيين أو تحقيق تسوية سياسية، بل خدمة لمصالح الحزب الإقليمية، ومنع الجيش اللبناني من تحقيق انتصار كان سيعزز موقعه الوطني.
الخطر الحقيقي هو حزب الله
ما جرى يوم العودة، وما سبقه من أحداث، يؤكد أن الخطر الأول على لبنان هو حزب الله نفسه. فهو الجهة التي استجلبت الاحتلال عبر عمليات غير محسوبة، وحوّلت لبنان إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، ومنعت الجيش اللبناني من القيام بدوره في محطات مصيرية.
لذا، إذا كان هناك من يبحث عن سبب الانهيار المستمر للدولة اللبنانية، فلا داعي للبحث بعيدًا. فلبنان لا يسقط بسبب أعدائه الخارجيين، بل بسبب عدو داخلي يعمل بشكل منهجي على تقويض ما تبقى من أسس الدولة.