تحت المجهر

قراءة في خطاب صفا.. هروب من المواجهة الخارجية إلى التصعيد الداخلي

في تطور لافت، ألقى وفيق صفا، أحد أبرز قيادات حزب الله والمصنّف دوليًا كإرهابي، خطابًا إعلاميًا هو الأول من نوعه. ورغم أن الخطاب جاء في ظل أزمات متعددة الأبعاد يشهدها لبنان، إلا أن اللافت فيه هو طبيعته التصعيدية والتهديدات العلنية التي وجهها للداخل اللبناني، في إشارة واضحة إلى محاولة الحزب إعادة توجيه الأنظار نحو الساحة الداخلية.

التصعيد الداخلي – محاولة للهروب من المأزق

حمل خطاب صفا تهديدات صريحة للأطراف اللبنانية الداخلية، مما يعكس استراتيجية معروفة لدى حزب الله تتمثل في استغلال الأزمات الداخلية لصالحه. فقد دأب الحزب في فترات سابقة على تحويل أنظاره إلى الداخل كلما تعرض لضغوط خارجية أو عسكرية. هذه المرة، يبدو أن الحزب، الذي عجز عن تحقيق مكاسب في مواجهة إسرائيل، وجد في الساحة اللبنانية هدفًا أسهل لاستعراض قوته المعتادة.

الخطاب العالي النبرة والتهديدات العلنية يشيران إلى محاولة ترهيب الفرقاء الداخليين وإسكات الأصوات المنتقدة لدوره في تدمير بنية الدولة اللبنانية وزجّ البلاد في صراعات إقليمية لا طائل منها. ومع غياب قياداته عن المشهد منذ تصاعد التوترات مع إسرائيل، يبرز هذا التصعيد الداخلي كوسيلة للهروب من مواجهة واقع لم يعد الحزب قادرًا على التحكم فيه كما كان في السابق.

مخاوف من عودة الاغتيالات والفوضى

من أخطر الرسائل التي حملها خطاب صفا، التهديد الضمني بإعادة استخدام أدوات العنف والاغتيالات بحق المعارضين. تاريخ الحزب في هذا المجال معروف، إذ سبق له اللجوء إلى الاغتيالات كوسيلة لتصفية خصومه السياسيين وترهيبهم. لذلك، فإن التصعيد الأخير قد يكون مؤشرًا على مرحلة جديدة من التوترات الداخلية التي قد تفتح الباب أمام موجة من الفوضى الأمنية في لبنان.

محاولة فاشلة لاستعادة الهيبة

من الواضح أن حزب الله، الذي يعاني من تآكل صورته داخليًا وخارجيًا، يحاول من خلال هذا الخطاب استعادة بعض من هيبته المفقودة. لكن هذه المحاولة تبدو يائسة، خاصة في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة والداخل اللبناني. فالشعب اللبناني، الذي يرزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد يرى في الحزب سوى عبء إضافي يزيد من معاناته اليومية.

التهديد والوعيد لم يعودا وسيلة فعالة لفرض السيطرة، في وقت باتت فيه الأصوات المطالبة بتغيير جذري تتعالى يومًا بعد يوم. هذه الأصوات، وإن حاول الحزب قمعها، ستظل تطالب بمحاسبته على ما أوصل إليه البلاد من انهيار سياسي واقتصادي.

حزب الله في مأزق مزدوج

يعكس خطاب وفيق صفا بوضوح المأزق الذي يعيشه حزب الله داخليًا وخارجيًا. فبينما يعجز الحزب عن تحقيق انتصارات خارجية ضد إسرائيل، يجد نفسه مضطرًا إلى التصعيد داخليًا في محاولة يائسة لفرض هيمنته على المشهد السياسي. إلا أن هذه الاستراتيجية، التي اعتمدها في الماضي، قد لا تحقق أهدافها هذه المرة، في ظل وعي شعبي متزايد وإدراك بأن الحزب بات يشكل أحد أبرز أسباب الأزمة اللبنانية المستمرة.

في المحصلة، يبدو أن حزب الله قد فقد بوصلته، وأصبح أسيرًا لمحاولاته المستميتة للحفاظ على نفوذه في الداخل، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار لبنان ومستقبل أبنائه. لكن، هل ينجح الحزب في تحقيق هذه الغاية، أم أن الشعب اللبناني سيقول كلمته في النهاية؟ هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه الأيام القادمة.

بقلم تادي عواد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى