الدولة صرفت أموال المودعين “على طريق القدس”
موقع Lebtalks
ان سلّمنا بما أجمعت عليه المؤسسات الرقابية الدولية والمحلية وبما اتفق عليه الخبراء الاقتصاديون والماليون والنقديون والمصرفيون الدوليون والعرب واللبنانيون على ان المسؤولية الأكبر في “تجميد أموال المودعين” او امكانية خسارتها تقع على الدولة اللبنانية …فتكون هذه الأخيرة ملزمة بتحمّل الجزء الأكبر من هذا العبء كونها المستدينة من دون ايفائها لدينها للمصرف المركزي والمصارف وكونها المقرّرة والمنفذة للسياسات الاقتصادية والهندسات او موافقة عليها ويقع على عاتقها تاليا البحث عن الموارد وتأمينها لسداد المستحقات والديون والودائع و”عصر نفقاتها” لتجنب هدر و”تجفيف” ما تبقى من خزينة الدولة.
من هذا السياق نقرأ قرار حكومة تصريف الأعمال بصرف ما قيمته 20 ألف دولار لعائلة كل شهيد، و40 ألف دولار أميركي لكل وحدة سكنية دمرت بالكامل…وهذا جيّد كون الدولة بالمبدأ هي المسؤولة عن التعويض على الخسائر التي يتكبدها مواطنوها جرّاء الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية الناتجة عن الزلازل والعوامل الطبيعية والحروب.
المريب في قرار الحكومة هو ان التعويض انما هو لـ”شهداء” “سقطوا على طريق القدس” بقرار حرب لا تملكه ولم تأخذه الدولة ولوحدات سكنية دمّرت بالكامل نتيجة انخراط في حرب اعلنها حزب مسلح من خارج ادارة الدولة ورغما عن ارادتها، وهذا ما صرّح عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 13 تشرين الأول من العام 2023 بقوله: “ان قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة” وكما في قرار الحرب الحالي المكلف ماديا وبشريا كذلك كان في قرار حرب تموز 2006 والذي كلّف مليارات الدولارات والاف الضحايا والشهداء .
وقد عبّر الرئيس السابق لحكومة فؤاد السنيورة سابقا وعن حرب تموز 2006 بمثل ما عبّر عنه ميقاتي اذ قال في 15 تموز 2006: “الدولة آخر من يعلم وأول من يُطالب”
ان ما دعا ويدعو المواطنين الشركاء اللبنانيين للتذمر والاعتراض على ما تقرر من صرف لـ”عوائل الشهداء” واصحاب “الوحدات السكنية المدمرة كاملا” هي ذاكرتهم الجماعية عن كارثة انفجار او تفجير مرفأ بيروت وما ادت اليه من مئات “الضحايا” حيث لا تعويض بفلسٍ واحد على عوائل تلك الضحايا ولا من يعوّضون وحيث لا معيلٌ ولا من يعيلون، والاف الجرحى الذين ما زالوا يئنون بالاضافة الى آلامهم واعاقاتهم من تكلفة استكمال علاجهم حيث ان الدولة هنا غسلت ايديها من دم هذا الصدّيق المتصدّق من أمواله وممتلكاته ودمائه… ناهيك عن آلاف الوحدات السكنية المدمرة بالكامل غير المعوّض عليها بمثل ما عوّض على الشريك الجنوبي.
تجدر الاشارة هنا ان “الشهيد” الذي سقط في الجنوب اللبناني وعلى طريق القدس ومساندة لغزة انما هو من اختار طريق جهاده بارادته او ارادة حزبه وهو الذي تحمّل مخاطر اصابته او ارتقائه شهيدا بخوضه القتال على الجبهة… في حين ان “الضحايا” التي سقطت في انفجار المرفا انما كانت آمنة ساكنة هانئة في أماكن سكنها وعملها وعلى الطرقات ولم تكن مقاتلة مجابهة ولم تكن راغبة في القتال او القتل وطبعا لم تكن ترغب في الموت.
من هنا نفهم ما قاله سمير جعجع في 29 تشرين الثاني 2023: “أهالي الجنوب يستحقون كل تعويض ولكن على من تسبب بتهجيرهم التعويض عليهم وليس الدولة اللبنانية، فهو من اتخذ قرار شنّ العمليات انطلاقًا من الجنوب، ووقت يلي هني بدن بيجوا على الدولة بس لما بدن يطلقوا الصواريخ ما بيرجعولا، وبالتالي هذا كلام غير منطقي”.
كما اننا لا نفهم بالمقابل ما قاله النائب في حركة أمل علي خريس في 21 آذار 2024 عن ان “التعويضات زهيدة جداً ورغم ذلك هناك من يعترض على تقديم التعويضات رغم أن العدو الاسرائيلي هو من يدمر ويهجر في هذه المناطق اللبنانية”.
لم يقبض المتضررون الابرياء المسالمون من كارثة المرفأ قتلى وجرحى ووحدات سكنية فلساً واحدا من مثل “التعويضات الزهيدة جدا” التي صرفتها الحكومة لشهداء حزب الله الذي تسبب في الحرب الاخيرة.
اما تلميح خريس بتماهي المنتقدين مع العدو بقوله: “هناك من يعترض على تقديم التعويضات رغم ان العدو هو من يدمر ويهجر في هذه المناطق اللبنانية”، فنحيله مع القارئ الى خريس نفسه الذي كان يدعو ويأمل ويعمل على اقتلاع “المقاومة الاسلامية” المتمثلة ب حزب الله من “هذه المناطق اللبنانية” وذلك عندما كان مسؤولا سياسيا لحركة أمل في الجنوب اذ قال حرفيا في 12 كانون الثاني 1989″ان الحركة مصممة بأي ثمن ومهما استلزم ذلك من وقت على اقتلاع حزب الله من هذه المنطقة… لا شيء بعد الآن بإمكانه ان يردم الهوة بيننا وبين حزب الله”
على ما أوردنا نحن هنا أمام كيلٍ بمكيالين ووزنٍ بميزانين وصرفٍ من جيبةٍ واحدة هي جيبة ومحفظة المكلف اللبناني الدافع للضرائب لصالح المتهرّب منها والمهرّب والمتسبب بخسارة الودائع والاموال والاملاك فالارواح.