تحت المجهر

“صلبوا إيدكم ع وجكم”

كتب فارس خشان
طبيعي أن تكون هناك نسبة من المسيحيّين في لبنان تؤيّد “المقاومة الإسلاميّة في لبنان”، فالمسيحيّون لم يكونوا، في أيّ يوم من الأيّام، من “صنف سياسي” واحد، إذ من صفوفهم خرج الراحل أنطون سعادة، على سبيل المثال لا الحصر، ليسعى، حتى بقوة السلاح، إلى إسقاط النظام اللبناني القائم على ميثاقية تحفر نهائية الكيان اللبناني، من أجل “الزوبعة الحغرافية”!

والظواهر التي يحاول “حزب الله” في هذه الأيّام التركيز عليها، لا تُلغي أنّ بين المسيحيين كما بين الطوائف الأخرى مختلفين عن الأكثرية، وهذه هي الحال في الطائفة الشيعية، على سبيل المثال لا الحصر، إذ إنّ أعتى المعادين ل”حزب الله” هم شيعة لهم نجوميّة تصعب منافستها، في كثير من الأحيان.

إنّ “حزب الله” يدرك هذه الحقيقة، ولذلك طالما تغاضى عن الإهتمام بهؤلاء الذين يغردون خارج “السرب” ، إذ كان “التيّار الوطني الحر”، في لعبة تبادل المصالح والمناصب التي تفتقد الى الحد الأدنى من النبالة الوطنية، يوفّر له غطاء مسيحيًّا!

في الأسابيع القليلة الماضية، اضطر “حزب الله” إلى إعطاء القلة المسيحيّة التي تؤيّده أهمية كبيرة، لأنّ محاولة “التيار الوطني الحر” تبرئة نفسه من أهداف جرّ لبنان الى حرب من أجل غزّة، بكل تناقضاتها الفكرية والسياسية والوطنية والأدبية والدينية، مع الموروث المسيحي الكبير، أفقد “حزب الله” القدرة على تصوير نفسه حالة وطنية شاملة، وهو الذي بدأ يفقد حتى القدرة على إظهار نفسه حالة شيعيّة طاغية!

إنّ مشكلة “حزب الله” في استغلاله لقلّة مسيحية مستعدة أن تقف معه، تكمن إمّا في جهله للمسيحيين وموروثاتهم وانقساماتهم، وإمّا لاستعانته بأشخاص لا يُدركون انعكاسات سلوكهم!

وتباهي “حزب الله” براهبة شابة، شابَه انحراف هذه الراهبة عن السراط الأكاديمي والديني المستقيم، فما من مربية يمكن أن تهدد الأطفال بالجحيم إن هم رفضوا أن يصلّوا لمقاتلي “حزب الله”، وما من إنسانة معنية بمرافقة التنمية البشرية يمكن أن تطلب من الأطفال أن يستقوا معلوماتهم من الأنترنت، في ظل نهج عالمي يمنع ذلك، ويجبر الدول على الطلب من الراشدين أن يراقبوا دخول أطفالهم على الشبكة العنكبوتية، لألف سبب وسبب.

وبعد ذلك، راح “حزب الله” يتباهى بشابة تقبل تمثال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وترسم علامة الصليب بعبادة أمام هذا التمثال، متناسيًا أنّ هذا السلوك ثير اللعيان الفكري قبل النفسي، لأنّ المسيحيين في حقيقة الأمر لا يعبدون التماثيل بل تساعد تماثيل أنبيائهم ورسلهم وقديسيهم خيالهم على تجسيد المقدس.

إنّ تباهي “حزب الله” بأنّ بعض المسيحيين يدخلون قاسم سليماني إلى دائرة المقدس، تنفّر الجميع منه، وتُظهره، وهو المتشدد بكل ما يختص بمذهبه، يستهين بكل ما يختص بمذهب الآخرين.

مفهوم يأس “حزب الله” من وضعيته الجديدة، في بلاد ترفض أن يقودها لمصالح غير لبنانية الى الحرب، ولكن عليه قبل أن يحاول تصوير نفسه كصاحب شعبية عظيمة عابرة للطوائف وقياداتها وزعاماتها، أن يصلّب إيده على وجهه ويأخذ نفس، لأنّ الحرب مع إسرائيل تبقى أقل خطورة عليه من هؤلاء الذين يستغل جهلهم بجهل!

Show More

Related Articles

Back to top button