تحت المجهر

حزمة عقوبات متجددة ضدّ حزب الله

لا يمكن فصل هذه العقوبات عن تلك الموجهة ضد إيران، والتي بدأت أخيراً مرحلتها الثانية، وتتناول قطاعات أساسية منها النفط والغاز والسجاد العجمي والتعاملات المالية مع المصرف المركزي الإيراني، من هنا أهمية متابعة هذا الموضوع واستدراك عواقبه على لبنان، وفق متخصصين ومتابعين للملف.

ويبدو أن تطبيق القانون الجديد المعروف بـ”هيفبا 2″، سيكون عرضةً لمراقبة أميركية دقيقة في عهد الرئيس دونالد ترمب الذي ألغى الاتفاق النووي المبرَم مع إيران، ويُنتظر أن تراقب إدارته الامتثال لهذا القانون بجوانبه كلها، بعكس ما فعل سلفه باراك أوباما الذي فكّك في حينه مفاعيل قانون “هيفبا 1″، كي لا يؤذي التفاوض مع إيران حول الملف النووي.

وتسوّق الإدارة الأميركية لرزمة عقوبات جديدة تهدف إلى عزل “حزب الله” عن النظام المصرفي الدولي بقوة وحزم وبلا مواربة، وتحرص على إرسال موفديها إلى بيروت كي يأخذ اللبنانيون الأمر بجدية.

رسائل تهديد مباشرة

في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أبلغ مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي، المسؤولين اللبنانيين بوجود لوائح جديدة لأفراد وشركات ستطاولها العقوبات الأميركية.

ونقل بيلينغسلي رسائل مكرّرة عن ضرورة تنبّه لبنان إلى الالتزام بالمعايير الأميركية لمكافحة تبييض الأموال، خصوصاً عبر القنوات المصرفية. وهدد بإعداد وزارة الخزانة الأميركية للوائح جديدة بأسماء أفراد وشركات من لبنان، ونقل رسائل تحذيرية مباشرة إلى المصارف عبر رئاسة الجمهورية والشخصيات الأخرى التي التقاها، محذراً من مغبّة دخول “حزب الله” وكل مَن يدعمه مالياً إلى القطاع المصرفي. وأبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون المسؤول الأميركي بأن لبنان أنشأ لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة تمويل الإرهاب ولجنة أخرى لمكافحة تبييض الأموال، مؤكداً أن بلاده تتخذ أيضاً الإجراءات التشريعية المطلوبة لمواكبة القوانين الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، لاسيما بعد الإنجاز الذي حققه الجيش اللبناني بالقضاء على التنظيمات الإرهابية في الجرود الشرقية.

وسمع الموفد الأميركي كلاماً لبنانياً واضحاً “عن أن المصارف هي في أساس دعم الاقتصاد اللبناني وينبغي التنبّه إلى أن الضغوط التي يتعرض لها هذا القطاع باتت تضعفه، وأن هذا القطاع على تواصل دائم مع وزارة الخزانة الأميركية والمؤسسات الأميركية المعنية، لتأكيد التزامه القوانين الدولية ومكافحة تبييض الأموال وبرامج مكافحة الإرهاب وعدم إدخال أموال مشبوهة”، وفق ما صرح إلى “إندبندنت عربية” رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني، النائب ياسين جابر.

وأشار جابر إلى وجود جهاز خاص في مصرف لبنان المركزي لمكافحة تبييض الأموال “وهو عين ساهرة على التحويلات ومصادرها”.

لا مفاعيل تنفيذية جديدة لـ “هيفبا 2”

من جهة أخرى، يقول المحامي بول مرقص رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية وأستاذ القانون الدولي، إن القانون الجديد هو نسخة مطورة عن قانون “هيفبا1” الذي صدر في العام 2015، ولا يحمل في طياته أدوات تنفيذية جديدة بمقدار ما يحمل رسالة متجددة بعزم الإدارة الأميركية على تنفيذ العقوبات عند الاقتضاء. ورأى مرقص أنه “بصرف النظر عن الموقف من القانون، يجب استدراك عواقبه على المصارف اللبنانية لجهة حماية تعاملاتها مع المصارف الدولية المراسلة، كي لا يدفع هذا القانون تلك المصارف إلى قطع التعامل مع المصارف اللبنانية أو التخفيف من التعامل معها، ولتحافظ المصارف اللبنانية على قدرتها على تحويل الأموال إلى الخارج”.

تجدر الإشارة إلى أن المصارف الدولية المراسِلة تأخذ هذا القانون على محمل الجد بمعنى أنها تطبقه، ليس في التعاملات بالدولار الأميركي فحسب، بل بكل أنواع العملات العالمية. أضف إلى ذلك الفارق بين قانونَي هيفبا 1 وهيفبا 2، فالقانون الجديد يعدَّل المهل الممنوحة للإدارة الأميركية لتعود فيها إلى الكونغرس بنتائج التنفيذ لمنحها زخماً، بصرف النظر عن الموقف السياسي، وتخفيفاً للضغط عن المصارف المركزية لاسيما مصرف لبنان.

  كما عدّل القانون الجديد تأشيرات الدخول، بحيث أصبح للرئيس الأميركي الحق في منح إعفاءات خاصة للممنوعين من دخول الولايات المتحدة من دون الرجوع مسبقاً إلى الكونغرس.

أما المرحلة الحالية في واشنطن، فهي مرحلة صوغ النصوص التطبيقية للقانون الجديد والمفترض أن تصدر في غضون 180 يوماً، أي بمهلة ستة أشهر. ويشير مرقس إلى أنه يُنتظر أن توضح هذه النصوص بعض العبارات الفضفاضة، من بينها معرفة هوية المتعاملين مع المصارف وإذا تعاملت، عن معرفة، مع أشخاص محذَّر التعامل معهم، تُنزل بها العقوبات. ويلفت تفسير القانون الأميركي القائم على المسؤولية الكبرى، إلى قرينة العلم المفترض وليس العلم فقط، وبالتالي يُفترض أن تكون المصارف مدرِكة تماماً الجهات التي تتعامل معها. ويلفت مرقص إلى أن المصارف اللبنانية تداركت هذا الأمر عبر اعتماد سياسة متشددة قائمة على مبدأ “اعرف عميلك” على نحو موسّع جداً. وتخضع عبارات أخرى للتفسير، من بينها “ما هو حجم العملية وتكرارها، ومن هي الأطراف المحظور التعامل معها”. وتبرز من هنا تساؤلات عن شكل النظام التطبيقي الجديد.

 ويخلص مرقص إلى أنه “هذه المرة يُنتظر العمل بالتزام أكبر في عملية التطبيق من قبل الإدارة الأميركية الجديدة شئنا أم أبينا، لأن الإدارة السابقة لم تمتثل للقانون القديم للعام 2015”.

كيف واجه لبنان العقوبات؟

صدر قانون “هيفبا 1” في كانون الأول (ديسمبر) 2015، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وشُكِّل في فبراير (شباط) 2016، قبل صدور المراسيم التطبيقية للقانون المذكور، وفد نيابي لبناني بناءً على طلب رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي، توجه إلى واشنطن لمقابلة النواب المعنيين بموضوع العقوبات في الكونغرس الأميركي. وكان نص القانون لم يكتف بفرض عقوبات ضدّ “حزب الله” بل طاول داعميه في عبارات مطاطة تحمل تأويلات وتؤذي بمضمونها المجتمع اللبناني برمته.

وترأس الوفد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني ياسين جابر وضمّ النواب (آنذاك) محمد قباني، باسم الشاب، روبير فاضل وآلان عون ومستشار دبلوماسي هو سفير لبنان السابق في واشنطن السفير أنطوان شديد والمعاون السياسي والدبلوماسي لبرّي، علي حمدان. استفاد الوفد من المهلة التي كانت متبقية لصدور المراسيم التطبيقية، لشرح تداعيته على لبنان للكونغرس بهدف منع تطبيقه عشوائياً ودرءاً لشموله جماعات طائفية برمّتها وحصره بأفراد، يمكنهم في حال حام الشك حولهم، الاحتكام إلى القضاء الأميركي لرفع أسمائهم، وفق ما شرح النائب ياسين جابر لـ “أندبندنت عربية”.

 وشرح الوفد اللبناني للمسؤولين في الكونغرس أيضاً تأثير هذا القانون في القطاع المصرفي اللبناني، الذي عرضوا سياسته الواضحة في مجال مكافحة تبييض الأموال، عبر قانون خاص بهذا الشأن صدر في نهاية العام 2015. وتركت هذه الزيارة أثراً إيجابياً، في شكل بدت فيه المراسيم التطبيقية حين صدرت ملطّفة عند تطبيقها. وتفادى لبنان تخريب نظامه المصرفي والعقاب الجماعي لمواطنيه.

إلا أن الوضع لم يستمر طويلاً على هذا المنوال، إذ إنه بعد فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئاسة في العام 2017، بدأ الكونغرس إعداد نسخة جديدة من العقوبات عُرفت بـ “هيفبا 2” أخطر من التي سبقتها. فطار الوفد النيابي اللبناني مجدداً إلى واشنطن، بخاصة أن القانون الجديد بدا أقسى.

وقال ياسين جابر إنه في ظل خطر استهداف “حزب الله” وحلفائه وأبرزهم حركة “أمل”، قمنا بجولة جديدة، وشرحنا المحاذير المترتبة على القانون الجديد ونجحنا بتخفيف وطأته، لكن بقيت عبارات غامضة فيه في شكل مقصود”. وصدر القانون رسمياً في العام 2018 بعد تأخيره أشهراً، وسط تشدّد متصاعد من الإدارة الأميركية، وضغوط متزايدة ضدّ إيران وأذرعها كما درجت تسمية الأحزاب التي تدور في فلكها وفي طليعتها “حزب الله”.

وقال جابر المطّلع عن كثب على المناخ السياسي الأميركي إن “الولايات المتحدة لا تريد الذهاب إلى حرب مباشرة مع إيران، بل تهدف إلى الضغط والتشدد حيالها لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لمناقشة مواضيع مهمة، من بينها اليمن والعراق وسوريا والصواريخ الباليستية وسواها من المواضيع الشائكة”.

وكان ترمب استبق هذه العقوبات بتغريدة في الذكرى الـ 34 للعملية التي استهدفت مقر قوات “المارينز” في بيروت في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1983، وقال:” لن ننسى أبداً جنودنا الـ 241 الذين قُتلوا على يد حزب الله في بيروت”. وتستمر مذّاك المواجهة تحت سقف الكونغرس الأميركي.

في خضمّ هذه الحرب، وعلى الرغم من التباينات ضمن إدارة ترمب حيال ملفات رئيسة، يبدو الموقف الأميركي ثابتاً تجاه لبنان، وهو الحفاظ على استقراره عبر تقوية الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وعدم زعزعة قطاعه المصرفي ومرتكزه مصرف لبنان” وفق ما يقول جابر.

ضغوط على الاغتراب اللبناني

إلا أن هذه العقوبات المباشرة ترافقها ضغوط غير مباشرة على الاغتراب اللبناني في إفريقيا تحديداً، ومعظمه ينتمي إلى البيئة الشيعية، إذ تمّ تصنيف رجال أعمال لبنانيين شيعة أساسيين في بلاد الاغتراب الإفريقي، وُضِعوا على لوائح العقوبات. وعلّق سياسي لبناني بأن “هذه العقوبات غير المباشرة تبدو أكثر فاعلية لأنها تؤذي بيئة حزب الله في حين أن الحزب ككيان لا يعيش في عالم المصارف ولا يحمل أمينه العام بطاقة مصرفية يتجوّل بها”.

العقوبات الأميركية لا تستهدف المصارف اللبنانية التي لا يمكنها الخضوع للقانون الأميركي، بل تستهدف المصارف الأميركية إذا تعاونت مع مصارف لبنانية مصنّفة مشبوهة. ولخّص جابر التداعيات بقوله إنها “تؤثر سلباً في سمعة لبنان، إلا أن الحقيقة، أن موجة استهداف المصارف ليست في لبنان فحسب، بل طاولت أخيراً مصارف عالمية كبرى منها في دول مثل سويسرا، وهي موجة عالمية لا تنحصر بوجود حزب الله في لبنان”.

وتابع النائب جابر “أما بالنسبة إلى أوروبا، فلا توجد عقوبات أوروبية خاصة ضد لبنان، بل عقوبات تستهدف سوريا وُسِّعت في بداية السنة، إضافة إلى تصنيف 11 رجل أعمال سوري و5 شركات. وتشمل العقوبات الأوروبية والأميركية ضد سوريا وأبرزها “قانون حماية المدنيين” المعروف بـ سيزر (صادر عام 2016)، الذي فعّله مجلس النواب الأميركي في بداية هذه السنة من أجل فرض عقوبات جديدة على حلفاء سوريا في مجالات النقل الجوي والطاقة والأعمال، تشمل الحكومة السورية وإيران وروسيا لمدة 10 أعوام مقبلة، تعني أن الحل في سوريا غير ناضج بعد”.

 يذكر بأنه مع بدء الأزمة السورية في العام 2011، تعرض لبنان لضغوط لعدم فتح حسابات للسوريين في مصارفه فلم يستفد من مبالغ كبرى خرجت من سوريا وصبّت في مصارف كبرى أخرى في المنطقة.

وحول ما إذا ستؤثر العقوبات ضد سوريا في لبنان، يجيب جابر إنها “تؤثر حتماً، لأن العقوبات ضد سوريا تعني عملياً تأجيل الإعمار وحركة عودة اللاجئين، ما يبقي الضغط على لبنان”.

وختم جابر بالقول” ما يهمّنا هو ألا تكون العقوبات على لبنان ككل، أو عقوبات جماعية على فئة معينة فيه، أما إذا استهدف أفراداً فيوجد مكاتب محاماة للدفاع عنهم وهنالك دعاوى تمّ كسبها أخيراً، منها لرجل الأعمال مرعي بو مرعي”.

عقوبات مزمنة

لا تنحصر العقوبات ضد “حزب الله” بهذين القانونين، بل وضعت الإدارة الأميركية أسماءً عدّة على لائحة الإرهاب الدولية قبل العام 2015، إذ أطلقت إدارة إنفاذ القانون في العام 2008 أثناء حكم الرئيس السابق باراك أوباما، مشروعاً باسم “كاسندرا” لملاحقة ما وصِف باتجار “حزب الله” بالمخدرات وتبييض الأموال. ووضِع البنك اللبناني – الكندي في العام 2011 على لائحة المؤسسات المصرفية المشبوهة. وبعد بدء المحادثات حول الملف النووي سحبت إدارة أوباما دعمها مشروع “كاسندرا” كي لا تنسف المفاوضات مع إيران. وفي أغسطس (آب) 2017 زار رئيس الحكومة سعد الحريري واشنطن وسمع كلاماً حازماً من ترمب وضع فيه “حزب الله” في خانة واحدة مع “داعش” و”القاعدة”. وأطلقت واشنطن بعدها مباشرةً الدفعة الثانية من العقوبات باسم “هيفبا 2″، في حين كانت أطلقت الرزمة الأولى في بداية العام 2016 باسم “هيفبا 1″، التي صنّفت عقوبات ضد 99 فرداً ومؤسسة، اعتبر القانون أنها تعمل لمصلحة “حزب الله”، وهذا الأمر أثار جدلاً كبيراً في لبنان تخلله تفجير الفرع الرئيسي لـ “بنك لبنان والمهجر” في الحمرا (يونيو/حزيران 2016)، في حين لم يصدر الحزب وقتها أي بيان استنكار.

باختصار، يهدف القانونان إلى عزل “حزب الله” عن النظام المصرفي حول العالم. وكانت الدفعة الثانية من العقوبات صنّفت 44 فرداً وكياناً تقريباً على لوائح العقوبات.

المصدر : الاندبندنت

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button