وثيقة بين توتال وإسرائيل: لبنان أضاع سيادته على بلوك9
خضر حسان _ المدن
وقَّعَ لبنان اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع العدو الاسرائيلي، انطلاقاً من الخط 23 وليس من الحدود الحقيقية التي يمثّلها الخط 29. واعتبرت السلطة السياسية هذا الترسيم انتصاراً، وقدّمت تبريرها الاقتصادي القائم على الانتفاع من الغاز الكامن في حقل قانا في البلوك رقم 9، حتى وإن عنى ذلك التنازل عن حقل كاريش الذي يحوي الكميات الأكبر والمؤكّدة، على عكس قانا.
على أن الضربة الأكبر، جاءت عبر الاتفاق الثنائي بين العدو وتحالف توتال-إيني، الذي سينقّب عن الغاز في حقليّ قانا وكاريش. فالطرفان وقّعا في 14 تشرين الثاني الجاري، وثيقة تفاهم مشترك، تمهّد لاتفاق نهائي قريب، يقوِّض سيطرة لبنان على غازه، ويكشف المعلومات أمام إسرائيل.
كشف المعلومات
تتضمّن الوثيقة بنوداً يمكن وصفها بالاجراءات التقنية التي تنظّم العلاقة بين التحالف المشغّل للبلوك رقم 9 وإسرائيل. لكن البند الأخطر، ينص على أنه “ستشارك (شركة) توتال جميع المعلومات المتعلقة بالخزان، مع إسرائيل”. والمعلومات تعني بشكل مباشِر، حجم الغاز الكامن في حقل قانا، والذي على أساسه ستحدد إسرائيل حجم حصّتها من المال. والتزام توتال بهذا البند، يعني إطلاع إسرائيل على معلومات حساسة يفترض أن تكون ملكاً للدولة اللبنانية، بما أن حقل قانا لها.
والمشكلة الأبرز، أنه “لن يكون هناك تطوير للخزان قبل التوقيع على اتفاقية مفصّلة وتحويل العائدات إلى إسرائيل”. أي بمعنى آخر، لن تبدأ توتال العمل في حقل قانا، ما لم تُنهِ جميع الترتيبات المالية مع إسرائيل، ما يجعلها صاحبة القرار في موعد استفادة لبنان من غازه، وحجم تلك الاستفادة، لأن المبالغ المالية التي ستُدفَع لاسرائيل، ستُعوِّضها توتال من استثمارها في الحقل المذكور.
ولأن إسرائيل تعتمد بشكل رئيسي على حقل كاريش، فقد لا تستعجل إبرام الاتفاق التفصيلي مع توتال، خصوصاً وأنها ستنتظر حسم هوية الشركة الثالثة التي ستنضم إلى التحالف. وبما أن معلومات حقل قانا لم تظهر بعد، فلبنان لن يبدأ العمل في الحقل.
وإن كان البدل المالي هو الطاغي، فإن لإسرائيل هدفاً أعمق، وهو المخزون العلمي الذي سيحمله تقرير توتال حول حقل قانا، سواء بالنسبة لأنواع الصخور تحت البحر وأنواع المخازن النفطية والغازية.. وما إلى ذلك. خصوصاً وأن إسرائيل تطمح لتعزيز موقعها كنقطة ارتكاز لقطاع الطاقة في منطقة البحر المتوسّط. ولا بد لها من امتلاك المعطيات العلمية للمنطقة بأكملها، لتمسك بمستقبل المنطقة. ومع الوقت تبنى الاستثمارات التي تدرّ الأرباح المالية، بناءً على العِلم. ومن غير المستبعد أن ترسل إسرائيل خبراءها على متن سفن توتال الاستكشافية، لتأمين وصول المعلومات بالصورة الصحيحة والمطلوبة.
بنود تفصيلية
“تنازُل” إسرائيل عن حقل قانا في الاتفاق الموقَّع مع لبنان، بوساطة أميركية، رُبِطَ بتعويضات مالية تدفعها توتال، بوصفها المشغّل للبلوك رقم 9. ووثيقة التفاهم، تحدّد “آلية التعويضات الواجب دفعها لإسرائيل مقابل حقوقها في خزّان قانا”. وستدخل الوثيقة حيّز التنفيذ “بمجرد التوقيع عليها. وستظل سارية المفعول حتى يتم توقيع اتفاقية مفصلّة”.
والاتفاقية المفصّلة، يُقصَد بها تلك التي ستحسم حجم التعويضات المالية المرتبطة بحجم الخزّان، إذ لا معلومات دقيقة حتّى الآن حول كميات الغاز المتواجدة في الحقل، ولا يمكن الاتفاق على مبلغ مالي من دون معرفة الكميات المحتملة. ولضمان حسن سير العمل، وافق الطرفان على الرجوع إلى “خبير متّفق عليه في اتخاذ القرار، في حالة وجود خلافات”. ولتكفل إسرائيل مصلحتها، فإن عمليات الاستكشاف والحفر التي قد تجري جنوبيّ الخط رقم 23، ستجري “وفقاً للقوانين والأنظمة الإسرائيلية”.
ولأن المقعد الثالث من التحالف (توتال-إيني-نوفاتك) بقي شاغراً بعد انسحاب شركة نوفاتك الروسية، فإن إسرائيل “ستوافق على أي شريك مستقبلي في الكونسورتيوم ويلتزم بهذه الاتفاقية”. وتجدر الإشارة إلى أن خروج نوفاتك من الكونسورتيوم، أبقى على حصّتها البالغة 20 بالمئة، في يد الدولة اللبنانية مؤقتاً، وعليها إحالتها إلى شركة ثالثة، لأن اتفاق ترسيم الحدود نصّ على أن لا تكون ضمن التحالف شركات لبنانية أو إسرائيلية.
الاتفاق بين توتال وإسرائيل، ليس مُفاجئاً، بل مُهِّدَ له في اتفاقية الترسيم، وتحديداً في الفقرة (هـ) من القسم الثاني، والتي تنص على أنه “يدرك الطرفان (لبنان وإسرائيل) أن إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 يخوضان بشكل منفصل نقاشات لتحديد نطاق الحقوق الاقتصادية العائدة لاسرائيل في المكمن المحتمل. وستحصل إسرائيل على تعويض من مشغّل البلوك رقم 9 لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في المكمن المحتمل. ولهذه الغاية، ستعقد إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 اتفاقية مالية قبيل اتخاذ مشغّل البلوك قرار الاستثمار النهائي.. ولا يكون لبنان مسؤولاً عن أي ترتيب بين مشغّل البلوك وإسرائيل، ولا طرفاً فيه”.