تحت المجهر

قصة باسيل و”الطاقة”… وحده مسؤول عن نصف الدين العام

ميرنا سرور _ موقع لبنان الكبير
يشهد اللبنانيون اليوم فصلاً جديداً من فصول الأخذ والرد في ملف قطاع الطاقة بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من جهة، وبين وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض ومن خلفه “التيار الوطني الحر” من الجهة المقابلة، وبكثير من الافتراءات وتزوير الحقائق، ينحدر العونيون إلى مستوى جديد من التخاطب مع مقام الرئاسة الثانية.

يعد قطاع الطاقة في لبنان معضلة إقتصادية – مالية، فالتكلفة التي تتكبدها الخزينة العامة لتشغيله تشكل حوالي نصف إجمالي الدين العام (46% بحسب تقرير صادر عن بنك عودة، 2021). هذا القطاع الحيوي سيء الادارة هو أبرز “مزاريب” الهدر والفساد، إذ وعلى الرغم من حجم الإنفاق الكبير، لا يرى اللبنانيون الكهرباء إلا في “المناسبات السعيدة”، فكيف آلت أوضاعه إلى ما هي عليه؟

تنقسم القصة الى فصلين، يمتد الأول من العام 1992 وحتى العام 2005، وقد شهدت هذه الفترة عدة محاولات حثيثة لاصلاح هذا القطاع، ووصلت ساعات التغذية الى 24/24 في العام 1998 بالفعل. من بين محاولات الاصلاح هذه كان سعي الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2002 الى إعادة تشغيل مصفاة طرابلس خلال زيارة قام بها الى موسكو حيث وافقت روسيا على إمداد لبنان بـ200 ألف برميل عبرها.

المحاولة الثانية كانت مع الدولة القطرية، بحيث سعى الحريري الى إقامة معمل لتغويز الغاز السائل ونقله من قطر الى لبنان، نظراً الى أن كلفة الديزل المعتمدة حتى اليوم أعلى بنسبة 40% من كلفة الغاز. أما المحاولة الثالثة فكانت عن طريق مصر، حيث بحث الحريري مع الجانب المصري في إنشاء شركة لبنانية – مصرية تعمل على إقامة أنبوب غاز في البحر لتلقيم معملي الزهراني ودير عمار.

إلى جانب هذه المحاولات الثلاث، كان سعي الحريري الى خصخصة جزء من القطاع بما يؤمن تغذية 24/24. هذه المحاولات وغيرها كانت الوصاية السورية برموزها وودائعها في الحكومات المتعاقبة قادرة على تعطيلها.

أما الفصل الثاني فهو ذلك الذي أعقب اغتيال الرئيس الشهيد في العام 2005، بحيث أصبح الأفرقاء كافة ممثلين داخل الحكومات، ومن بينهم العونيون، الذين حملوا شعار “الإصلاح والتغيير”، إلا أن ميدان سيطرتهم الأبرز، ألا وهو وزارة الطاقة، لم يشهد أي إصلاح أو تغيير، بل بات الرمز الأبرز للفساد وهدر مقدرات الدولة.

سيطر العونيون على وزارة الطاقة منذ العام 2008 حتى اليوم، فتعاقب على الوزارة 6 وزراء تابعين لـ”الوطني الحر” أو محسوبين عليه هم تباعاً: آلان طابوريان (2008 – 2009)، جبران باسيل (2009 – 2014)، آرثور نازاريان (2014 – 2016)، سيزار أبي خليل (2016 – 2018)، ندى بستاني (2019 – 2020) ووليد فياض (2021 – 2022).

الملفت أن الكلفة الأكبر التي تكبدتها الخزينة لدعم الكهرباء (من دون فوائد) كانت أثناء تسلّم “الوطني الحر” الوزارة. منذ العام 1992 وحتى العام 2005، بلغت هذه الكلفة 3 مليارات دولار على مدى 13 سنة، مقارنة بـ21 مليار دولار (أي 7 أضعاف) على مدى السنوات الـ14 الممتدة بين العامين 2005 و2019.

تميزت هذه الفترة بتفويت الكثير من فرص الاصلاح، أبرزها كان قرض “الصندوق الكويتي للتنمية” لتمويل وتنفيذ مشاريع بناء معامل لإنتاج الكهرباء، وهو عرض مقدّم في العام 2011، أي أثناء تولي باسيل شخصياً حقيبة الطاقة، ويوفّر 700 ميغاوات بفائدة نحو 2%، ويُقَسَّط القرض على 20 عاماً مع فترة سماح، وتعد هذه الشروط ممتازةً مقارنة مع ما تأتي به الوزارة في مشاريع أخرى.

هذه المناكفات في ملف الطاقة مستمرة حتى اليوم، وبات عنوانها الأساس إنشاء معمل سلعاتا الذي حاول باسيل تمريره بعد طرِحه في حكومات سعد الحريري ثم حسان دياب وصولاً إلى ميقاتي. هذا المشروع الذي وافقت عليه حكومة دياب ضمن خطة الكهرباء سقط لاحقاً، إلا أن ميقاتي صرّح آنذاك بأن “سحب كلمة سلعاتا من الملف استغرق نحو شهرين”.

فصل جديد من المناكفات ظهر الى العلن مؤخراً في حرب البيانات بين ميقاتي وفياض بعد أن أقدم الأخير على سحب ملف العرضين المقدّمين من شركتي “جنرال الكتريك” و”سيمنز”، والمتعلّقين بتزويد معملي دير عمار والزهراني بألف ميغاواط من الطاقة المولَّدة عبر الغاز الذي ستؤمّنه الشركتان، وبسعر مقبول جداً مقارنة بالأسعار العالمية، ولا يزال هذا الجدل مستمراً حتى اليوم.

وسط شدّ الحبال هذا، والكثير من وعود الـ24/24 المتعثرة بحجج الـ”ما خلّونا” الفارغة، وصلنا اليوم الى صفر ساعة تغذية كهربائية، في إنجازٍ يشبه إنجازات “التغيير والإصلاح” حيثما وُجد، إلا أن أسئلة كثيرة تتبادر الى ذهن اللبنانيين باستمرار من بينها: ماذا لو بقيت الكهرباء من دون “تغيير وإصلاح”؟ أو ماذا لو طُبّق أحد الاصلاحات الثلاثة التي اقترحها الحريري؟ أو خصخص القطاع لو بدولار واحد؟ ألم يكن ذلك ليعتق خزينة الدولة من كل هذه الأكلاف وبالتالي ليجنّبنا جزءاً كبيراً من الأزمة المالية – النقدية التي نعيشها اليوم؟

Show More

Related Articles

Back to top button