تحت المجهر

انسجام الفاتيكان وبكركي أعمق من طروحات عون “الأقلوية”

وكأن لبنان يجددّ صراع الهويات على أرضه. والهويات المتصارعة لا يربطها الانتماء والوجهة السياسية فحسب، بل الحسابات المالية والاقتصادية أيضًا، وخصوصًا في ظل الحرب المفتوحة على المصرف المركزي والمصارف.
فعلى رغم كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبها كل من المصرف المركزي والمصارف، وعلى الرغم من أحقية ملاحقته وملاحقتها، يبدو أن الصراع في مكان آخر: من يسيطر على القطاع، ولمن تكون الغلبة في تحديد وجهة لبنان؟

صرخات متعارضة
وترتفع الصرخات المتعارضة: فهناك من يريد استعادة العروبة وتكريس انتماء لبنان العربي. وهذه حال البطريرك الماروني بشارة الراعي، مشددًا على إعادة المسيحيين والموارنة إلى العروبة في مواجهة التمدد الإيراني. وهو كان واضحًا في كلامه، خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن سلاح حزب الله. في المقابل، معروفة مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون في ما يتعلق بوجهة المسيحيين نحو الشرق، وفي حلفه مع حزب الله ومن خلفه إيران.

وبرزت زيارة عون إلى الفاتيكان، مقابل زيارة الراعي إلى مصر ولقائه شيخ الأزهر، وإعلانه الالتزام بوثيقة الأخوة الإنسانية التي أبرمها البابا فرنسيس مع الشيخ أحمد الطيب. وتزامنًا تتوالى المواقف اللبنانية من الراعي ورئيس الحكومة لإعادة العلاقات اللبنانية- الخليجية، والالتزام بالمبادرة الكويتية. ويأتي ذلك على وقع مساعي فرنسية واضحة لإعادة تفعيل العمل الديبلوماسي والإغاثي السعودي حول لبنان.

وفي هذا الإطار يعقد اجتماع جديد لمسؤولين فرنسيين وسعوديين لتنسيق الخطوات، فيما تبرز مطالبات لبنانية بعودة السفير السعودي إلى بيروت. وفي هذا السياق أيضاً، تشير المعلومات إلى أن وائل أبو فاعور وملحم الرياشي سيغادران إلى السعودية للقاء المسؤولين، والبحث في ملف الانتخابات والتحالفات، ومعرفة مدى الاهتمام السعودي بالاستحقاق، والسؤال عن عودة السفير السعودي قريباً إلى لبنان.

مسيحيو عون
ويذهب عون إلى الفاتيكان تحت شعار أن المسيحيين في لبنان بألف خير. وتبدي مصادر كنسية استغرابها هذا الكلام، فيما أعداد كبيرة من الشبان/ات المسيحيين يهاجرون. والقطاعات والمؤسسات التي أنشأها المسيحيون أنفسهم تنهار أمام أبصارهم. والصراعات الأهلية العقارية والجغرافية في الحدث ومناطق لاسا والعاقورة بين الكنيسة المارونية وحزب الله لا تتوقف. فهل هذا كله ليس من عناصر تهديد المسيحيين؟

وتشير مصادر إلى أن الهدف الأساسي لزيارة عون يتعلق بالجانب السياسي، لتبرير مواقفه والبحث عن صك براءة لعهده وتحالفاته، ولتثبيت مبدأ تحالفه مع حزب الله.

غالاغار: لتطبيق الطائف
يقول عضو في المجمع البابوي إن بعض الكلام الذي يتحدث عن تكامل بين الأقليات، لا يحظى بموافقة الفاتيكان. وما حصل مع غالاغار وزير خارجية الفاتيكان، هو أن أعضاء في لجنة الحوار الإسلامي- المسيحي اقترحوا على الوزير الفاتيكاني اللقاء مع وفد من حزب الله، فلم يعترض.

وحصل اللقاء في السفارة البابوية، فاستمر عشر دقائق، كان فيها غالاغار متحدثًا، ووفد حزب الله مستمعًا. وركز الوزير البابوي على: ضرورة تطبيق الدستور، واتفاق الطائف كاملًا، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وعودة لبنان إلى الحضن العربي والدولي، ولبنان لا يمكن أن يستمر في ظل غلبة طائفة على أخرى.

الفاتيكان والبطريركية المارونية
والعلاقة بين لبنان والفاتيكان عمرها أكثر من 700 سنة، ولا يمكن مقاربتها بين الفاتيكان وبكركي بالطريقة التي تتم فيها. ولا يمكن إخضاعها لأهواء أي شخص أو لأفكار أي كاردينال. أما الحديث عن اللجوء إلى كنائس أخرى بديلة عن الكنيسة المارونية، فأمر لا يمكن أن يستقيم. وترى مصادر كنسية أن هذه الكنائس لا تتمتع بحجم ديمغرافي واسع. فأعداد الكاثوليكيك في حلب وإنطاكية وفلسطين، أصبحت ضئيلة جدًا، ولا يمكنها أن تحل مكان الكنيسة المارونية والتي لديها أكبر عدد من المؤسسات الدينية والتربوية والصحية في الشرق الأوسط.

وتقول مصادر فاتيكانية: “مهما حصل يبقى الفاتيكان متناغمًا مع الكنيسة المارونية، حتى وإن كانت هناك اختلافات في إدارة الكنيسة المارونية ملفات تنموية واجتماعية. ولو كان هناك خلاف أساسي على الثوابت السياسية، لكان يمكن اتخاذ إجراءات في حق البطريركية المارونية. لكن الاعتراض الأساسي يتعلق بكيفية العمل في المجالات التربوية والصحية والاجتماعية”.

كاردينال تحالف الأقليات
والفاتيكان مؤسسة تستمع للآراء. وإذا كان الكاردينال ليوناردو ساندري، رئيس المجمع الشرقي في الفاتيكان، من مؤيدي نظرية تحالف الأقليات، فذلك لا يعني أنه يلزم الوجهة السياسية للكرسي الرسولي بذلك.

ولو أراد الفاتيكان الموافقة على تحالف الأقليات لما ذهب لتوقيع وثيقة الأخوة الإسلامية- المسيحية مع الأزهر، ولما كانت تأكيدات البابا فرنسيس في مواقف تتعلق بضرورة انخراط اللبنانيين كمواطني دولة. وهذا ما تؤكده وثيقة السينودوس لأجل لبنان، والسينودوس لأجل الشرق الأوسط.

وتضيف المصادر إن البطريرك لا يتخذ مواقف سياسية على حسابه. وما يجري حاليًا يعود بالذاكرة إلى حقبة العام 2000 و2005، حينما شنّت حملات على البطريرك الماروني نصر الله صفير واتهم بانه على خلاف مع الفاتيكان. ويتبين لاحقًا إنه كان على انسجام كامل مع البابا يوحنا بولس الثاني. وبالتالي، مواقف الراعي واضحة في تنسيقها مع الفاتيكان حول الحياد الإيجابي، والحفاظ على علاقات لبنان بمحيطه العربي، وعدم الدخول في سياسة الأحلاف والمحاور.

المصدر : منير الربيع – المدن

Show More

Related Articles

Back to top button