تحت المجهر

موجز عن السياسات الغوغائية التي دمرت الاقتصاد

منذ خمسينات القرن الماضي كان هناك صراع حاد بين ما يسمى بـ»اليسار القومي»، الذي كان يمثله الزعيم جمال عبد الناصر، وبين التيارات الليبرالية المحافظة وكان زعيمها في لبنان الرئيس كميل شمعون. وعلى مستوى الكوكب كان ذلك ترجمة للصراع العقائدي القائم بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي.

إنفجر هذا الصراع سنة 1975 بشكل دموي على أرض لبنان بعد أن نجحت منظمة التحرير الفلسطينية باستيعاب «اليسار اللبناني»، واستعماله في الحرب الاهلية ضد «اليمين المسيحي». سنة 1990 وبالرغم من سقوط الاتحاد السوفياتي وبسبب رهانات ميشال عون الخاطئة على نظام صدام حسين، خرج المسيحيون مهزومين عسكرياً. الا انه وبسبب اختفاء انهيار السوفيات تمّ ارسال رفيق الحريري لاعادة بناء أسس الاقتصاد الحر وجعل بيروت «فترين» أو منصة مالية وسياحية، تجمع بين أوروبا والشرق الأوسط. في حين أبقت الاحزاب المحسوبة على اليسار، الى جانب النظام السوري، قبضتها على الامن. آنذاك عارض الثنائي الشيعي بقوة كل محاولات الخصخصة. كما دفع باتجاه تكبير حجم القطاع العام. الا ان رفيق الحريري نجح بشكل ملحوظ بضخ نوع من الفكر الرأسمالي نتج عنه تكبير الناتج المحلي كما القطاع المصرفي. كل ذلك أثمر تحسيناً لمستوى معيشة مجمل الأسر اللبنانية التي خرجت منهوكة من مرحلة الاقتتال الاهلي.

مع اغتيال رفيق الحريري ظهر «التيار الوطني الحر» على الساحة السياسية كما الاقتصادية. وكان مستغرباً أن يقوم بتوزير شخصية كانت تنتمي سابقاً الى الحزب الشيوعي. كما صعدت نجوم كوادر يسارية على مختلف مشاربها. ثم أصبح «التيار الوطني الحر» يصر على معارضته لخصخصة قطاع الكهرباء، بالرغم من أن القطاع كان أحد أسباب استنزاف المالية العامة، واعتمد التيار سياسات شبيهة في قطاع الاتصالات تخلو من الشفافية وترتقي الى المحاصصة.

ثم تابع التيار سياساته اليسارية بان ألغى الضريبة على تنكة البنزين، ثم طالب بالغاء قانون السرية المصرفية. وهندس مع حركة «أمل» وباقي الاحزاب سلسلة الرتب والرواتب الجنونية التي استتبعها بتوظيفات اضافية في القطاع العام، قبل أن يتم وضع رئيسه على قائمة عقوبات دولية غربية ما ساهم بعزل هذا التيار.

بالتوازي ركز اعلام محسوب على «حزب الله» و»اليسار الاسلامي» هجوماته على القطاع المصرفي، كما على مجمل بيئة الاعمال مع توجه ملحوظ لاستبعاد جهات من الهجومات والتنمر والتشهير. في حين بدا تيار «المستقبل» إما عاجزاً وإما متواطئاً في عدد كبير من الملفات.

تابعت المنظومة الحاكمة تفكيك الاقتصاد الحر، بالامتناع أحادياً عن دفع سندات اليوروبوندز المستحقة ما عنى اعلان افلاس لبنان. ثم اقرت سياسة دعم للمواد جنونية كلفت مالية الدولة نحو 12 مليار دولار أميركي. وأخيراً وليس آخراً هناك تعطيل متعمد لاي صفقة مع صندوق النقد الدولي لعزل وطن الارز عن الشرعية المالية الدولية، مع ارادة سياسية واضحة لتثبيت لبنان داخل محور الممانعة الذي تفتقر كل دوله الى الاقتصاد الحر، وتعتمد أنظمة يسارية احتكارية شبيهة بأنظمة دول أوروبا الشرقية السابقة مع الاصرار على معادات دول الخليج.

هذه السياسات الاقتصادية أدت الى افقار متعمد للشعب اللبناني. إذ انخفض الحد الادنى للاجور الى ما دون الثلاثين دولاراً أميركياً وتعطل عمل مؤسسات الدولة. وشهدت البلاد هجرة ادمغة وكفاءات كما هجرة رساميل. ما حصل هو ان «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» نجحا بتغيير النظام الاقتصادي وتحويله الى شيء يشبه نظامي سوريا وايران. ويصران حالياً على عدم السير بالاصلاحات البنيوية التي يطلبها صندوق النقد الدولي في انحراف صريح من دولة ذات اقتصاد حر الى دولة يسارية راديكالية ممانعة على مثال فنزويلا أو ايران.

بيتر جرمانوس – نداء الوطن

Show More

Related Articles

Back to top button