الرئيس اللبناني يسحق العدالة تحت جزمة “العقيد” سوزان الحاج
رامي الأمين – درج
الترقية لم تحدث بشكل تلقائي أو من طريق الخطأ، بل عن سابق تصور وتصميم. فمرسوم ترقيات ضباط قوى الأمن الداخلي عرض على رئيس الجمهورية الذي امتنع عن توقيعه، إن لم يكن اسم سوزان الحاج بينهم.
لا شيء يمكن أن يفاجئ المسرحي اللبناني زياد عيتاني بعد اليوم. فالرجل الذي عاش واحدة من أصعب التجارب مع الأجهزة الأمنية اللبنانية وأغربها، لا يزال يعيش التداعيات “العجيبة” للقضية التي تكشف يوماً بعد يوم عن صلف النظام اللبناني ووقاحته بمختلف مكوناته، السياسية والأمنية والقضائية والإعلامية.
فالرجل، بلا أي مقدمات، وجد نفسه فجأة في خضّم مهزلة أمنية وقضائية وسياسية لا طائل له فيها، أتت على سمعته وحريته وحياته الشخصية. وتحولت المهزلة إلى مأساة مع إصرار النظام اللبناني بمكوناته الفاسدة آنفة الذكر، على تعميم المهزلة و”ترقيتها” إلى مصاف ارتكابات الأنظمة الديكتاتورية التي يُضرب فيها المثل بالظلم والتنكيل والتخوين والتعذيب والقتل العبثي، بلا أي رادع ولا حساب، وبلا أي اعتبار لأبسط حقوق الإنسان.
فعلى غرار ما تفعل هذه الأنظمة القمعية حينما تكرّم ضباطها الذين “استبسلوا” في قمع شعوبهم، عبر ترقيتهم بعد ارتكابهم مجازر وممارستهم أسوأ أنواع التعذيب في السجون، قام النظام اللبناني، وعلى رأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، بترقية المقدم سوزان الحاج إلى رتبة عقيد، بعدما اقترن اسمها بواحدة من أكبر الفضائح الأمنية في تاريخ لبنان، حينما لفقت تهمة عمالة لإسرائيل للممثل المسرحي زياد عيتاني، وأدخلته إلى السجن في ظروف سيئة لأكثر من مئة يوم، لإرضاء نزقها إلى التشّفي والانتقام.
الترقية لم تحدث بشكل تلقائي أو من طريق الخطأ، بل عن سابق تصور وتصميم. فمرسوم ترقيات ضباط قوى الأمن الداخلي عرض على رئيس الجمهورية الذي امتنع عن توقيعه، إن لم يكن اسم سوزان الحاج بينهم. أصرّ الرئيس على مكافأة الحاج على استخدامها منصبها كرئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وصرفها لنفوذها في تلفيق تهمة كيدية لمواطن بريء، وتشويه سمعته وإدخاله إلى السجن وتعريضه لأبشع أنواع الإهانات خلال التحقيق. بل أكثر من ذلك، استخدم الرئيس “الفيتو” لفرض ترقية الحاج، المحكومة من المحكمة العسكرية بعد تدخلات سياسية فاضحة، بالسجن شهرين وغرامة 200 ألف ليرة لبنانية!
الممثل زياد عيتاني شارك صورة قرار المحكمة العسكرية الذي وصفه بـ”الهزيل” على “فايسبوك”، وكتب “ضابط محكوم بالسجن وغرامة بقضية تلفيق رقّوه”. وأضاف في منشور آخر: “فخامته وقف ترقيات ضباط إذا ما ترقت سوزان الحاج، ورقّاها وهي محكومة من مجلس تأديبي وعليها حكم محكمة”. وبدا عيتاني في ما كتبه مستسلماً لـ”عادية” الظلم الذي صار على ما يبدو قاعدة في النظام اللبناني الذي يغلب منطق المافيات والاستزلام والانتقائية والانتقام على منطق المحاسبة والعدالة والإنصاف.
القرار الوقح يبدو مرتبطاً باقتراب موعد الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في آذار/ مارس المقبل، إذ تداولت وسائل إعلام لبنانية أن ترقية الحاج جاءت لإرضاء زوجها زياد حبيش الذي يعتزم “التيار الوطني الحر” ترشيحه على لوائحه في عكار في وجه شقيقه نائب “تيار المستقبل” هادي حبيش.
هكذا يسحق النظام اللبناني بأحذية طموحات سياسييه ونهمهم إلى السلطة، وجزمات حراس هيكله الأمني، وبتواطؤ من منظومته القضائية، أي محاولات لخروج عشب أو أزهار من تحت التراب. فيتحول لبنان شيئاً فشيئاً إلى أرض قاحلة وجافة وجلفة وظالمة لا ينبت فيها أمل ولا يرويها مطر. وهكذا، بهمجية مطلقة، ينهش النظام بأنيابه ومخالبه حياة زياد عيتاني ومستقبله وسمعته وأمله ويمزّق بالأنياب والمخالب ذاتها، جسد العدالة المريض والهزيل والمترنّح.