“وثائق باندورا”: لبنان (المفلس) الأول عالمياً في الـ”أوف شور” ورؤساؤه ومصرفيوه يتصدرونها
لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
قبل نحو أسبوعين، وبينما كنا في مكتب “درج” في بيروت، نعمل على مشروع “وثائق باندورا”، كان رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي يتلو البيان الوزاري الذي نالت على أساسه حكومته ثقة مجلس النواب، وتضمن البيان بنداً عن إصلاحات ضريبية تنوي الحكومة تنفيذها “تعزيزاً لمالية الدولة”، في ظل أكبر انهيار مالي واقتصادي في التاريخ يشهده لبنان، على حدّ وصف الخبير المالي توفيق كسبار.
تسريبات “باندورا” هي تحقيق استقصائي في سياق أكبر تعاون صحافي يشارك فيه نحو 600 صحافي من العالم بإشراف الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ)، يحقق في ملايين الوثائق التي تكشف أسرار الجنات الضريبية. التحقيق يكشف معلومات تتعلق بالأملاك السرية والثروات المخبّأة لعدد كبير من زعماء العالم وشخصيات عامة. ويكشف صفقات لشخصيات هاربة أو مدانة ومشاهير ونجوم ورياضيين.
والرجل الذي كان يلقي خطاب الثقة في مجلس النواب اللبناني، أي نجيب ميقاتي، ظهر اسمه في هذه الوثائق، وكذلك ظهر اسم سلَفه رئيس الحكومة حسان دياب، وغيرهما مئات من الأسماء اللبنانية من بينهم سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال مقربين من أهل النظام. وطبعاً لا ينسجم لجوء رئيس الحكومة اللبنانية إلى الجنات الضريبية لتسجيل شركاته الخاصة مع الرغبة في تعزيز مالية الدولة اللبنانية، ذاك أن الوظيفة الأولى لهذه الخطوة هي التهرب من دفع الضرائب، وهو ما دأب عليه الرئيس الآتي إلى العمل السياسي من عالم المال والأعمال.
تصدّر لبنان لائحة عدد شركات الأوف شور التي تأسّست عبر شركة Trident Trust علماً أنّ الأخيرة هي اكبر مزوّد للوثائق المسرّبة في سياق مشروع وثائق “باندورا”.
لكن المفارقة اللبنانية في هذه الملفات لا تقتصر على ذلك، إنما بحقيقة أخرى مذهلة كشفتها الوثائق، وتتمثل في أن لبنان المنهار مالياً واقتصادياً، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية.
من بين 14 مزوداً للملفات المسربة، وعددها نحو 12 مليون وثيقة، كانت شركة “Trident Trust” الشركة الأكبر من بينها، إذ بلغ عدد الوثائق المسربة منها نحو 3 ملايين وثيقة، ولبنان سبق الدول من حيث لجوء “أوليغارشييه” إلى هذه الشركة لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. فبينما حلت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة زبائن الشركة بـ 151 ملفاً، حل لبنان في المرتبة الأولى بـ346 ملفاً، لجأ أصحابها اللبنانيون إلى “Trident Trust” لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. العراق حل ثالثاً بـ 85 ملفاً، وهو البلد الغارق بفساد طبقته السياسية، على رغم أن الأرقام تكشف أن الأخيرة حديثة نعمة لجهة خبرات إخفاء الثروات وتهريبها إلى الخارج، لا بل إن تبادلاً للخبرات في مجال الفساد يجري على قدم وساق بين البلدين اللذين تتمتع إيران بنفوذ كبير فيهما.
ففي سياق تقصّينا قصص سياسيين ورجال أعمال لبنانيين ممن وردت أسماؤهم في الوثائق، اكتشفنا أن عدداً منهم امتدت نشاطاته إلى العراق عبر تسهيلات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران أو عبر شراكات مع رجال أعمال عراقيين ممن أصابتهم العقوبات الدولية بسبب سجلاتهم في الفساد فلجأوا إلى واجهات لبنانية، والعكس صحيح أيضاً، ذاك أن لبنانيين صدرت بحقهم عقوبات أميركية عثرنا على أثر لاستثمارات لهم في العراق.
في وثائق “باندورا” أسماء لرئيسيّ حكومة لبنانيين، حالي وسابق، هما نجيب ميقاتي وحسان دياب، ومستشار لرئيس الجمهورية، هو النائب السابق أمل أبو زيد، ووزير سابق ورئيس حالي لمجلس إدارة مصرف هو مروان خير الدين، وغيرهم من أصحاب محطات تلفزيونية كتحسين خياط، ومصرفيين مثل سمير حنا.
وتذهب الوثائق بنا إلى شبهات ترتبط بنقل أموال خلال فترة الـ”كابيتال كونترول” إلى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى، كما هي حال مروان خير الدين، ففي الوقت الذي كانت المصارف اللبنانية تُطمئن مودعيها إلى أن ودائعهم بخير ولن تُمس، أي في أوائل العام 2019 وكان خير الدين ضيفاً دائماً على المحطات التلفزيونية ومدافعاً عن سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية، كان يؤسس شركة في الملاذات الضريبية ليشتري عبرها يختاً بقيمة 2 مليون دولار أميركي، وهو اشترى في هذه الفترة منزلاً في نيويورك بقيمة 9 مليون دولار من نجمة هوليوود جانيفر لورانس.
جرى ذلك قبل الـ”كابيتال كونترول” بقليل، وهو ما يدفع إلى الارتياب بأن الرجل كان يهرب أمواله في الوقت الذي كان يدعو فيه اللبنانيين إلى عدم الخوف على ودائعهم!
كما كشفت الوثائق شراكات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بأمل أبو زيد، كما يأخذنا الملف المرتبط به إلى تقاطعات المصالح التي يمثّلها الرجل بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال. وهنا أيضاً تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأميركية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي.
تذهب بنا الوثائق الى شبهات ترتبط بنقل سياسيين ونافذين أموالا خلال فترة “الكابيتال كونترول” الى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى
رؤساء الحكومات في وثائق “باندورا”
أثارت “دموع” رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي لدى تشكيل الحكومة الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، فميقاتي الذي ظهر في صورة الأم المتأثرة بحدّة الأزمة في لبنان متحدّثاً عن مأساة اللبنانيّين، جاء من طرابلس أفقر مدينة على ساحل المتوسّط، بينما يصنّف هو مع أخيه طه كأكبر أغنياء لبنان والشرق الأوسط. فبحسب مجلّة فوربس، تبلغ قيمة ثروة كلّ من الأخوين ميقاتي 2.9 مليار دولار.
تشوب مسيرة ميقاتي العمليّة الكثير من الشبهات، كان آخرها في ميانمار. إذ يوضح تقرير سابق لموقع “درج”، كيف اشترت مجموعة M1 التي يملكها نجيب وطه ميقاتي، شركة Telenor للاتصالات في ميانمار بقيمة 105 مليون دولار في تمّوز/ يوليو 2021 بمبلغ زهيد يوحي بضغوط مورست على الشركة الميانماريّة.
الّا أنّه مؤخّراً، وخلافاً لنجاحه في تشكيل الحكومة اللبنانيّة، تعثّر ميقاتي في “الصفقة الميانماريّة” إذ إنّ السلطات في ميانمار لم توافق بعد على هذه الصفقة بسبب شبهات مرتبطة بعمل مجموعة M1 بالإضافة إلى قربها وقرب الأخوين ميقاتي من النظام السوري، بحسب المصادر التي تحدّثت أيضاً عن وجود ضغوط لإلغاء صفقة البيع هذه.
ولا بدّ هنا من التذكير بالدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون على ميقاتي (وابنه وابن أخيه) وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع” فيما يتعلّق بقروض الاسكان، على قاعدة أنّ ميقاتي وعائلته، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة كان يخصّصها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل لمحدودي الدخل. بحسب تقارير إعلاميّة سابقة، حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك “عودة” لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة.
وفي ردّ لنجل ميقاتي، ماهر ميقاتي إلى شريكنا الإعلامي في المشروع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيّين” يقول: “والدي ليس لديه أي قروض سكنية باسمه على الإطلاق. جميع ممتلكاته الشخصية في لبنان دفع ثمنها بالكامل بنفسه.
أنا وأبناء عمي لدينا قروض إسكان، ولكن لدينا قروض إسكان عادية، ممنوحة من البنوك التجارية بموجب مخطط منفصل لا علاقة له ببنك الإسكان أو المؤسسة العامة للإسكان. يعود تاريخ القروض التي أخذناها إلى عام 2010… كانت معايير هذه القروض كما يلي:
لا يوجد حد أقصى لمبلغ القرض (تم إدخال سقف من خلال تعميم معدل بعد بضع سنوات)
سقف معدل الفائدة 6٪
قطاعات القروض هي العقارات والصناعة والسياحة والزراعة…
تم منح قروض الإسكان الخاصة بنا بموجب المخططات المذكورة أعلاه (تم سداد معظمها بالكامل). اتفاقية القرض التي وقعت عليها تنص بوضوح على أن هذه القروض لا تستفيد من أي دعم لسعر الفائدة!
…إدّعاء [القاضية غادة عون] ضد والدي وابن عمي وأنا يأتي بتهمة “الإثراء غير المشروع”، وأن والدي أساء استغلال صلاحياته، وضغط على حاكم البنك المركزي لمنح هذه القروض. لقد حضرت أنا وأبي الجلسات أمام القاضي (بناءً على طلب القاضية) مرتين. ربما أبي هو السياسي الوحيد في تاريخ لبنان الذي فعل ذلك! وما زلنا ننتظر القرار النهائي للقاضية في القضية.”
ولا بدّ هنا من التذكير بأنّ آل ميقاتي (نجيب وابنه ماهر وشقيقه طه)، كانوا قد “استفادوا” من قروض مدعومة، مخصصة للإسكان، كان يقدّمها المصرف المركزي اللبناني لشراء منازل. ميقاتي استحوذ على عدد من هذه القروض لشراء منازل في أحد أفخر المباني في بيروت عبر صفقة حرمت الشباب اللبناني من فرصة الحصول على هذه القروض المدعومة. وإذا كان الحديث عن أنّ “استغلال” قروض الإسكان حصل بطريقة قانونيّة الّا أنّها دون أي نقاش غير عادلة ولا تتوافق مع الهدف الحقيقي لهذه القروض، ناهيك عما يمثله استفادة متمول بحجم ميقاتي من قروض مدعومة كان من المفترض أن تمنح إلى محدودي الدخل!
حصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على 9/10 من هذه القروض “الإسكانيّة” من بنك عودة، وهو مّا كان السبب المباشر للدعوى التي رفعتها القاضية غادة عون عليه وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع”.
ولطالما برز اسم ميقاتي في مشاريع استقصائيّة دوليّة مبنيّة على تسريبات، إذ إنّه ناشط في مجال تأسيس شركات الأوف شور. ففي وثائق بارادايس التي نُشرت عام 2017 وكان “درج” شريكاً في نشرها، ظهر أنّه أسّس شركة Corporate Jet عام 2004.
وكانت وثائق “باناما” التي نُشرت عام 2008 قد كشفت عن امتلاك رئيس الحكومة الحالي، نجيب ميقاتي، شركة Hessville Investment Inc في باناما، منذ 27 نيسان/ أبريل 1994. ويتولّى إدارة الشركة كلّ من:
نجيب ميقاتي (رئيس)
ماهر ميقاتي (أمين الصندوق) وهو ابن رئيس الحكومة.
مصطفى الصلح (سكريتيريا) وهو صهر شقيق نجيب ميقاتي، طه ميقاتي. وعُرف مؤخّراً بالوسيط الذي ساهم بحلّ عقدة الحكومة وسرّع في عمليّة تشكيلها.
فيما تكشف وثائق “باندورا” الجديدة أنّه في 13 شباط/ فبراير من عام 2008، وفي أحد إجتماعات مجلس إدارة الشركة، تقرّر شراء عقار في موناكو بنحو 7 مليون يورو. وبحسب خبراء في شركات الأوف شور، فإنّ شراء عقارات باسم شركة أوف شور يخفّف كثيراً من الأعباء الضريبيّة مقارنةً بتسجيل العقار باسم شخص.
“درج” أرسل أسئلة واستيضاحات للرئيس نجيب ميقاتي بخصوص التسريبات ووصلنا رد من ابنه ماهر بصفته يدير مجموعة ميقاتي ، قال فيه أنّ Hessvile هي شركة مقرّها في باناما. وكتب ماهر ميقاتي في رده: “هي شركة مملوكة بالكامل لوالدي، لغرض وحيد هو امتلاك منزل في موناكو. تم تأسيسها قبل عام 2008 من قبل المالك السابق للشقة في عام 1994، واشترى والدي الأسهم في عام 2005. ثم تمت صفقة أخرى في عام 2008 من خلال شراء الشقة المجاورة، وتم ضم كلا العقارين. لا يزال والدي مالكاً للعقار حتى هذا التاريخ” وأضاف “من العادي جدّاً امتلاك العقارات من خلال الشركات وليس بشكل مباشر. هذا قرار شخصي اتخذناه منذ وقت طويل (معظم عقاراتنا الشخصية مملوكة لشركات)، والغرض الرئيسي هو المرونة الإضافية التي يقدمها ذلك، والهدف منه:
في حالة البيع، أنت تبيع الأسهم. وفي بعض الولايات القضائية، قد يمثل هذا بعض المزايا الضريبية
لتخطيط الميراث.
لتحصين الالتزامات في حال قررت تأجير العقار لطرف ثالث”
وختم “إن اختيار تأسيس الشركات سواء أكانت في باناما أو في جزر العذراء البريطانية يرجع ببساطة إلى العملية السهلة لدمج الشركات الموجودة في كلا السلطتين القضائيتين. في هذه الحالة، كان المالك السابق للشقة يملكها عبر شركة في باناما، وبالتالي احتفظ بها والدي على هذا النحو”.
أمّا رئيس الحكومة السابق، حسّان دياب، فمن الواضح أنّه فهم أصول اللعبة عندما شغل منصب وزير التربية والتعليم العالي في حكومة نجيب ميقاتي بين عاميّ 2011 و2014. فبينما كانت أحد أكبر “نجاحاته” في الوزارة الكتاب الشهير عن “إنجازاته” فيها، يتبين أن الإنجاز الفعلي الذي حقّقه دياب بعد انتهاء ولايته الوزاريّة، تحديداً عام 2015، ولم يذكره مطلقاً على موقعه الرسمي ولا في أي إطلالة إعلاميّة، هو تولّي إدارة شركة أوف شور في جزر العذراء البريطانيّة.
تكشف “وثائق باندورا” أنّ دياب تولّى إدارة شركة eFuturetech Services Ltd منذ شباط 2015 مع كلّ من محمد نبيل بدر وعلي حدّارة. فلماذا لم يشارك دياب هذا الانجاز مع مجمل اللبنانيّين كعادته؟ وهل كان ذلك مذكوراً في سيرته الذاتيّة التي وزّعها خلال زيارته إلى قطر؟
يملك دياب 17 سهماً في الشركة مقابل 67 سهماً لبدر و16 سهماً لحدّارة. وبدر هو رئيس نادي الأنصار اللبناني لكرة القدم منذ شباط/ فبراير 2013. هذا بالإضافة إلى مساهمته في شركات محلية عدة.
وكان بدر مرشّحاً للانتخابات النيابيّة عام 2018 في لائحة “بيروت الوطن” عن دائرة بيروت الثانية، الّا أنّ رهانه على جمهور ناديه (نادي الأنصار)، كان رهاناً خاسراً ولم يحصل بدر على أكثر من 854 صوتاً تفضيلياً.
أمّا علي حدّارة، فهو المدير المالي لمجموعة شديد كابيتال القابضة Chedid Capital Holding. وهو حائز على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال وماجستير إدارة الأعمال في المالية من الجامعة الأمريكية في بيروت. ولديه أكثر من 20 عاماً خبرة في مجال التمويل وعمليات الاستحواذ ورفع التسهيلات المصرفية، وهياكل الشركات والضرائب.
المفارقة أنّه قبيل تقديم استقالته من الحكومة عقب كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، أعلن حسّان دياب “الحرب” على التهرّب الضريبي ولكنّه عاد بعد استقالته ليقول “مستسلماً” أنّ “الفساد أكبر من الدولة”. وعلى الرغم من أنّ تأسيس شركة أوف شور لا يُعتبر غير قانوني الّا أنّه يثير التساؤلات والشبهات لأنّه في معظم الحالات يكون وسيلة إمّا لأعمال مشبوهة أو لتهرّب ضريبيّ، خصوصاً عند حصول ذلك في الخفاء ومن دون أعمال معروفة ومعلنة للشركة.
علماً أننا أرسلنا أسئلة لدياب منذ أكثر من أسبوع ولم يصلنا منه رد حتى تاريخ نشر هذه المادة.
مصرفيون في وثائق “باندورا”
تظهر التسريبات أنّ خليل ابراهيم الدبس، رئيس الخدمات المصرفية للشركات في بنك عودة، كان مديراً في شركة أوف شور اسمها “فوندال ليمتد” (Fondal Ltd) في جزر العذراء البريطانيّة بين حزيران/ يونيو عام 2015 وكانون الأول/ ديسمبر 2016، واستلم إدارة الشركة بعده، عماد عيتاني. الدبس هو أيضاً رئيس مجلس إدارة بنك عودة – قطر، وعضو في مجلس إدارة بنك عودة – مصر. وهو صهر سمير حنّا، رئيس مجلس إدارة بنك عودة ومديره العام.
“درج” أرسل أسئلة استيضاحية للدبس ووصلنا منه الرد التالي: “تأسست fondal LTD عام 2015 في جزر العذراء البريطانية لغرض وحيد هو تولي عملية استحواذ محتملة نيابة عن بنك عودة على أصول موجودة في الخارج والتي تم اقتراحها على المصرف لتسوية ديون. إلا أن العملية لم تتحقق أبداً”.
وهنا يطل مجدداً اسم رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين الذي كشفت التسريبات عن تأسيسه مع نائب حاكم مصرف لبنان السابق، محمد بعاصيري، لشركات أوف شور. هذا فضلاً عن آل سلامة: رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان، وابنه نادي، وشقيقه الأصغر، رجا. وهنا يطرح تساؤل عما اذا كان ذلك ينطوي على تضارب في المصالح، ما يستدعي أن يكون سلامة والبعاصيري مجدداً أمام مساءلات قانونية.
وكان المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم قد أمر، في شباط/ فبراير 2020، بتجميد أصول لمدراء البنوك بمن فيهم خير الدين، ووضع اشارة “منع التصرف” على موجودات 21 مصرفاً لبنانياً خصوصاً بعد المعلومات أنّ المصارف اللبنانيّة “هرّبت” ما يقارب 6 مليارات دولار منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على الرغم من منع المصارف للتحويلات إلى الخارج. ولكن سرعان ما أبطل النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات هذا القرار في دليل واضح على قوّة وسلطة المصرفيّين في لبنان.
عائلة افرام
من أبرز الأسماء التي تكرر ظهورها في وثائق “باندورا” هي عائلة إفرام وأبرزها النائب نعمة افرام وعائلته: منير، فيصل،كريم، مكرم، مروان، جهاد، فادي، شفيق، بهجت، ربيع، منيرة، ثريا، ريا، وسهى.
بالإضافة الى كونه نائباً، نعمة افرام هو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة INDEVCO GROUP متعددة الجنسيات، ومؤسس ورئيس شركة Phoenix Machinery والرئيس السابق لجمعية الصناعيين اللبنانيين. شغل منصب رئيس المؤسسة المارونية في العام من 2016 إلى 2018. سجله يتضمن الكثير من شركات الأوف شور غير المعلن عنها.
لطالما سجل لبنان أرقاماً قياسية على الكثير من المستويات وفي الكثير من المجالات، فقد شهدنا في الرابع من شهر آب أغسطس من العام 2020 في بيروت أكبر انفجار غير نووي، وكان سبقه أكبر انهيار مصرفي في التاريخ، وها نحن نشهد أكبر عدد للشركات في الجنات الضريبية في العالم تعود مكليتها للبنانيين، هذا بالإضافة إلى أكبر صحن حمص وأعظم “منقوشة زعتر” وأكبر كوب ليموناضة. وكل هذه “الإنجازات” تحققت في ظل اقتصاد “الخدمات” الذي أسس لدور الوسيط “الشاطر” الذي ينهي مسيرته بصفقة كبرى يتوارى بعدها في جزيرة بعيدة تعفيه من المساءلة.