“حكومة مسخ” مستنسخة ببركة “إيران- حزب الله”
كتب جورج العاقوري:
بعد أن دخلت المبادرة الفرنسية في موت سريري منذ أشهر، ها هي اليوم تكفّن بمساهمة باريسية ودولية بعيد إنجابها “حكومة مسخ” بكل ما للكلمة من معنى عمّا نصت عليه خارطة قصر الصنوبر.
إنها حكومة مستنسخة عن سابقاتها من حيث مخاض الولادة وتناتش الحصص والصراع على الحقائب، وعن حكومة حسان دياب من حيث نوعية الوزراء المموّهين بشهادات جامعية وبعضهم باستقلالية صورية. فثمة أسماء فاقعة في ولاءاتها السياسية وأخرى لا علاقة لاختصاصاتها بحقائبها.
إنها حكومة L’école des fans وجميع الأطراف فائزة ظاهرياً. فدولياً، المجتمع الدولي المتخوّف من الواقع الذي وصل إليه لبنان ومن التفلّت والإنفجار الشامل الذي يدقّ أبوابه والذي ضغط في الأيام الأخيرة خصوصاً الموقفين الأميركي والفرنسي الداعيين إلى تشكيل حكومة كان لهما ذلك نظرياً:
* واشنطن “القلقة” من تحدّي البواخر الإيرانية سارعت للمطالبة بتشكيل حكومة فكان لها ذلك، ولكنها تدرك جيداً أنّ الكلمة الفصل في هذه الحكومة لـ”حزب الله“.
* باريس بدورها تلمسّت الإستجابة لمساعيها لتشكيل الحكومة، ولكنّها في الحقيقة حصدت سعيها لـ”حفظ ماء الوجه” ليس فقط لدبلوماسيتها بل لرئيسها ايمانويل ماكرون وهي تدرك أنّ مراسيم تشكيل هذه الحكومة التي أعلنت من بعبدا هي بحدّ ذاتها “ورقة نعوة” المبادرة الفرنسية. وما كواليس اجتماع بغداد والإتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بماكرون وإعلانه بشكل سافر شراكته في تشكيل الحكومة عبر قوله “مساعي إيران وفرنسا وحزب الله لتشكيل حكومة قوية في لبنان بإمكانها أن تصبّ في مصلحة هذا البلد” وأنّ “الشعب اللبناني يعاني نتيجة العقوبات الإقتصادية، وفرنسا بإمكانها أن تلعب دوراً بنّاء لرفع العقوبات عن لبنان”، إلا دليل على “التراخي” الفرنسي إلى حدّ التسليم ضمنياً بهيمنة “طهران” و”الحزب” على لبنان.
* الإتحاد الأوروبي الذي كان يلوّح بعقوبات بحق المعرقلين والفاسدين، أصبح همّه تشكيل حكومة ولو بمن حضر وسارع مسؤول خارجيته إلى اعتبارها “مفتاح معالجة الأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية التي يعاني منها لبنان”. إنها دبلوماسية التعامل مع الأمر الواقع التي لطالمها انتهجها.
* الدول العربية وتحديداً السعودية رفضت في الأساس الدخول في هكذا مسابقة متمسّكة بموقفها الجازم من رفض تغطية أي حكومة “حزب الله” شريك فيها.
* نظام الأسد سيستفيد من اندفاعة الحكومة الميقاتية تجاه سوريا بعدما عبّدت لها الطريق حكومة دياب في آخر أيامها.
* إيران و”حزب الله” الذي هو ذراع مشروعها في لبنان والمنطقة هما الفائزان الحقيقيان ومعهما “غطاء” الحزب المسيحي أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. فحين أعطت طهران الضوء الأخضر للتشكيل وباعت “حسن النية” لفرنسا ولدت الحكومة وثمن ذلك سيظهر قريباً.
* “حزب الله” نجح بعدم التفريط بأوراقه، فلم يزعّل أحداً من حلفائه من عون إلى “تيار المردة” وزعيمه سليمان فرنجية، ولم يخسر ورقة الغطاء السني للحكومة عبر ترؤسها من لاعب وازن هو نجيب ميقاتي الذي كان قد اختبره جيداً خلال حكومة “القمصان السود” و الـ“One way ticket” . كما فرض “الحزب” شكل الحكومة التي يريد بعدما نجح بالتنصّل من وعود قصر الصنوبر بحكومة أخصّائيين مستقلّين وأعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله أنّ ما سيولد هو حكومة “تكنو-سياسية”. كذلك كرّس و”حركة أمل” وزارة المال للشيعة ضاربين بعرض الحائط رفع عون للمداورة في الحقائب السيادية ولم يكتفيا بذلك بل اختارا لها يوسف الخليل الضالع في الهندسات المالية في مصرف لبنان والذي يعتبره عون وفريقه أحد المستهدفين بالتدقيق المالي الجنائي.
*عون بدوره حصل على “ثلث معطل وحبة مسك” وعلى وزراء يدينون له الولاء وفي طليعتهم وزير الطاقة. وباسيل الذي “طوش” اللبنانيين بأنه لا يريد شيئاً ولا يتعاطى بالتشكيل ولن يمنح الثقة، كان شريكاً رئيساً و”بسحر ماكر” سيمنح الثقة. أمّا الهجومات العونية على ميقاتي وبطولاتهم بمكافحة ما أسموه “فساده”، ودعوى القاضية غادة عون عليه وعلى أفراد من عائلته بجرم “الإثراء غير المشروع” عبر الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان، فمصيرها كـ”الإبراء المستحيل” ملف غبّ الطلب ويرفع أو يهمل وفق المصلحة البرتقالية.
*نادي الرؤساء ربح ظاهرياً تسمية رئيس من صفوفه وهو يدرك أنّ خسائره فادحة سياسياً وفي تكريس الأعراف.
في المقابل، “القوات اللبنانية” سترسّخ نهجها بالتعاطي مع السلطة الحاكمة وتشكيل الحكومات عبر عدم منح الثقة حكماً ولكن عبر رفض السلبية العمياء مع علمها أنّ مسار تشكيل حكومة ميقاتي لا يبشّر بالخير. فموقفها ثابت لناحية حاجة لبنان الملحّة لحكومة اختصاصيين مستقلّين ولكنّها لن تخاف من الإشادة بأي خطوة إيجابية كما فعلت مع حكومة دياب، مؤكّدة أنّ الوقت ليس لتسجيل النقاط ولكنّه بالطبع ليس لـ”تبويس اللحى”.
بالتزامن مع المعارضة العقلانية لـ”القوات”، يبقى السؤال الرئيسي ماذا عن معارضة قوى “17 تشرين”؟ أين شوارعها وأصواتها؟ ما موقفها من توزير وجوه كناصر ياسين أو فراس أبيض؟!
في الخلاصة، ثلاثة عشر شهراً هدرت منذ استقالة حكومة دياب وسرّعت في الإنهيار، فمن يعوّض على اللبنانيين؟! بعد الرقص على حافة “الهاوية” نجح “حزب الله” في توقيت الإنتظام الحكومي والحفاظ على أوراقه وكسب مزيد من الوقت، ولكن في ظل “التراخي الدولي” تجاه لبنان وغيابه عن أجندات بعضهم و إمكان المساومة على حسابه من قبل البعض الآخر، هل ينجح “الحزب” في ضبط إيقاع اللعبة في لبنان أم إنّ طبول الإنهيار الإقتصادي والمالي والإجتماعي هي من سيضبط الإيقاع على المجهول؟