تهافت الحريرية السياسية. (بقلم عمر سعيد)
يعتقد البعض أن حائك السجاد أشد صبرًا وأطول نفَسًا من بدوي الصحراء.
وهذا الاعتقاد الخطأ مرده عند من يعتقدون ذلك إلى عجز في قراءة التاريخ.
ولأن المعركة الحقيقية هي بين بدوي الصحراء وحائك السجاد الذي لم ينس وإلى اليوم أن بدويًا صحراويًا اسمه عمر بن الخطاب قد تمكن وقبل ١٤٠٠ سنة بحبة تمر وضرع لبن من إنهاء امبراطورية حائك السجاد، وإطفاء نار إلهه المقدسة.
فالبدوي الذي هو أشد صبرا وجلادة، وأقدر على التعلم والوثب، يلتحف الرمل ليلًا نهارًا، وإذا ما اضطرته ناقته سار على الرمال الملتهبة حافيًا ليتم رحلته، وقد عرف كيف يغلب النار التي في دمه على النار التي في رمال الصحراء، ليطفيء النار التي في رؤوس جبال داموند في إيران.
وقبل قرابة ١٠٠ سنة ظهر بدوي اسمه عبد العزيز، تمكن بفطنته من قراءة مدهشة، جعلته يعي أهمية الطريق التي عليه اختيارها، فبنى دولة تجاوزت بعمرها الفتي عراقة مثيلاتها المعمرة في كافة أرجاء الأرض، ثم وضعها في عمق الغرب التقدمي، دون أن يخسرها هويتها العربية أو الشرقية، وهي اليوم نقطة تحول كبيرة في السياسات العالمية، تعرف كيف توازن بين التحولات الداخلية والخارجية.
ولسوء حظه لم يكن سعد الحريري أكثر من عقلية ضحلة سياسياً، فبعيد أول محاسبة سعودية له على أخطائه القاتلة تجاه المملكة التي هي صاحبة الفضل الأول والأخير في وصوله وأبيه من قبله إلى ما هم فيه وعليه، ارتمى وبلا تردد في حضن حزب الله وحلفائه،
وكانت تلك الارتماءة فرصة ذهبية لحزب الله الذي راح يستثمر في سوء علاقة الحريري مع السعودية، وراح يدفعها إلى مزيد من التدهور، من خلال تكتيك شرير ألا وهو ادعاء التمسك بالحريري كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة، والإيعاز لحليفه العوني بتعطيل أية تشكيلة.
وما هدف الحزب من وراء ذلك إلا إحراق سعد الحريري كشخصية سياسية سنية وازنة في لبنان وعند المملكة، وكان له ما أراد بفضل حماقة وسطحية الحريري بفريقه السياسي، الذي عجز عمدا وغباء عن قراءة ما وراء تمسك الممانعة بالحريري كمرشح وحيد لرئاسة الحكومة.
أمس وفي لقائه المتلفز مع مريم البسام، أبقى الحريري على الممر الضيق الذي لم يبق له سواه مع حزب الله الذي أقصاه، والذي هو نبيه بري من خلال شكره على مساندته، معلنا بذلك هزله السياسي الذي يقوم ومنذ البداية على الحاجة البالغة لكف تمسك بيد هذا الصغير كلما اعترضته طريق مزدحمة للعبور.
أما المستقبل كتيار سياسي يعيش على مقدرات ابن مؤسسه ” سعد ” فقد بدا مغيبًا، ولا دور له في كل ما يحصل، دون أن تشكل الأصوات المكتومة التي كانت تطل من هنا أو هناك عبر مصطفى علوش ومن يشبهه أي فارق، يستطيع أن يوقف انهيار الحريرية السياسية المتمثلة بشخص سعد الحريري.
وأتم الحريري أمس مشهدية سقوطه المأساوية بالهجوم على سمير جعجع، ليغلق الباب وبنفسه وعلى نفسه، وينهي بهجومه أي فرص قد تشكل بارقة أمل، تعيد له بعضًا مما خسر، فقد خسر المملكة وحلفاءه الجديين في الوطن، ومعهما الكثير من شعبيته التي كانت تراهن عليه.
لقد كان أجدر بالحريري أن يقرّ ويعترف أن المشكلة لم تكن في الرئيس عون، ولا في خطأ التقديرات التي أوصلته إلى الرئاسة، بل إن الخطأ يمكن في النقاط التالية:
١- غياب خطة لإدارة الخطأ المرتكب، وتصحيحه.
٢- حصر مشروع الحريرية السياسية في تولي رئاسة الحكومة بغض النظر عن الثمن.
٣- الغاء المسافة المطلوبة بينه وبين حزب الله، الأمر الذي كان ليحفظ له مساحة واسعة لحرية التحرك، باستبداله تلك الحرية بالتنازلات.
٤- تجاهل الحريري لعمق مشروع حزب الله وحلفائه ومن خلفهم إيران.
ففي أكثر من مناسبة وتصريح أعلنها حسن نصرالله وقيادات من الحشد الشعبي في العراق وقادة إيرانيون أن الهدف هو مكة المكرمة والمملكة العربية السعودية.
٥- لقد أهمل الحريري معاني تطويق المملكة العربية السعودية بالمشاكل من قبل إيران في كل من البحرين، واليمن والعراق، وقطر، وسوريا ولبنان، والتي تهدف جميعها إلى الاستيلاء على المقدسات الإسلامية فيها وإنها المملكة ودورها في المنطقة.
٦- توهم الحريري في أن عدم حسم خياراته هو خيار، فلم يحسم خياراته بالوقوف إلى جانب العروبة، ولا المملكة وراح يطير من دولة إلى أخرى منتظرًا استثارة ردات فعل سعودية وغربية لم تأت، فمن الإمارات إلى روسيا فتركيا ففرنسا فمصر، كان الحريري كالقط الذي راح يلحس المبرد، ويسلتذ طعم دمائه النازفة عليه.
وهو وإن رمى بالمبرد بعيدًا، سيضطر إلى قطع لسانه الذي ما عاد ليصدقه أحد، وفي أي مكان.
عمر سعيد