تحت المجهر

هل الذهب اللبناني في خطر؟

موريس متى – النهار

يعود الكلام عن الذهب وهو الاحتياط اللبناني الاكبر والأضمن حتى ساعته اذ ان سبائك الذهب الـ 7000 الموزعة ما بين بيروت والولايات المتحدة الاميركية، تعتبر أصدق من ارقام غير أكيدة للاحتياط الالزامي المتوافر لدى مصرف لبنان. وتتناقض الاقتراحات والجدالات بين قائلين بضرورة الافادة من هذا المخزون في الازمة الحالية، فيما يعتبر اخرون ان الطبقة التي سرقت الاموال تطمح الى القضاء على ما تبقى من ثروة لبنانية لتقضي عليها وعلى البلد.

خلف الجدران المحصنة في قلعة فورت نوكس، وهي الخزانة الرئيسية لاحتياط الذهب في الولايات المتحدة الاميركية، يخزن القسم الاكبر من احتياط الذهب اللبناني.

الى هذا المبنى الذي شيد في العام 1936، وهو اكثر المباني حراسة في العالم، نقل مصرف لبنان كمية كبيرة من الذهب في منتصف السبعينات واوائل الثمانينات لاسباب امنية. وبعدما كان طرح بيعه او رهنه من المحرمات، ها هي خيارات استخدامه كمنقذ تبرز حاليا في الكواليس كبديل من رفع الدعم وبعد وصول العملات الاجنبية في “المركزي” الى قعر الهاوية. هذا الطرح لم يجرؤ احد على تبنيه حتى الآن، لكنه يعيدنا الى أيام العز، وقت كان سعر صرف الدولار يساوي ليرتين وعشرين قرشا.

آنذاك، وتحديدا في ستينات القرن الماضي، وضع رئيس الجمهورية الراحل الياس سركيس الدولة اللبنانية في قلب النادي الذهبي بعد شراء خمسة ملايين اونصة ذهب لحساب خزينة الدولة، ليتحول الى رئيس من ذهب لدولة من خشب. وقتذاك، استغرب كثيرون ما قام به الرئيس سركيس ليفهم الجميع في ما بعد ان هذه الخطوة حمت الاستقرار النقدي. في السنوات اللاحقة، بدأت الحكومات المتعاقبة شراء كميات إضافية من الذهب بهدف تعزيز احتياطات المصرف المركزي من المعدن الاصفر، لتتوقّف عمليات الشراء في العام 1971 بعدما وصل مخزون الذهب ضمن احتياطات المركزي الى ما يقارب الـ 286.5 طناً يوازي سعرها حاليا نحو 19 مليار دولار بعد إرتفاع سعر اونصة الذهب من حوالى 400 دولار في العام 1986 الى ما يقارب 1892 دولارا حاليا.

مع اندلاع الحرب، زاد الخوف من تسييل جزء من الذهب وبيعه وهدر عائدات عملية البيع في تغطية نفقات جارية وخدمة مصالح خاصة، وتمويل العجوزات وتأمين السيولة اللازمة لتغطية الموازنات “غير المجدية”. وفي خطوة ساهمت في حماية هذا الاحتياط “السيادي” من المعدن الاصفر، برزت جبهة نيابية على رأسها رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، عملت على إصدار القانون 42/ 1986 الذي ينص على منع التصرّف بالموجودات الذهبية مهما كانت طبيعة هذا التصرّف. وفي ظل اشتداد الحرب الأهلية في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية توازيا مع نزيف الاحتياطات الاجنبية لدى مصرف لبنان لوقف الانهيار، بدأ الحديث في البلاد عن إمكانية تسييل جزء من الذهب لمواجهة الازمة، فسارع عدد من النواب الى اقرار القانون 42/ 1986 الذي ينص صراحة على “منع التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، بصورة استثنائية، مهما كانت طبيعة هذا التصرّف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة”، ليستمر العمل بهذا القانون حتى يومنا هذا مانعا بيع او رهن او التصرف بالذهب بصورة مباشرة او غير مباشرة إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب يعدل القانون الحالي. ولا بد من الاشارة الى ان حاكم مصرف لبنان كان قد أكد ان احتياط الذهب حرّ من كل رهن.

اما اليوم، فالخائفون على لبنان ومستقبل أجياله، من رجال مال وخبراء يحذرون من ان تسول السلطة لنفسها فكرة تسييل هذا الذهب او رهنه كما يتردد لانه الوحيد الباقي الذي يذكّر اللبنانيين والعالم بانه كان في لبنان دولة، بعد استنزاف احتياط مصرف لبنان وتراجعه من أكثر من 43 مليار دولار الى ما يقارب 15 مليارا لا تشكل سوى مستوى الاحتياط الالزامي العائد للمودعين والموضوع من قِبل المصارف امانة لدى “المركزي”، فيما يُعتبر الذهب من الدعائم النفسية المتبقية للبنانيين، في زمن تفتقد البلاد رجال دولة يغلّبون المصلحة الوطنية على مصالحهم الشخصية.

في أحدث تقاريره، نشر مجلس الذهب العالمي قائمة الدول الـ100 الأكثر حيازة للذهب ضمن أصولها الاحتياطية، وتصدرت السعودية الدول العربية باحتياطات المعدن النفيس، أما لبنان فقد حل في المرتبة الثانية عربيا باحتياط يبلغ 286.8 طنا، وبعد احتساب حصة الفرد الواحد من احتياطات الذهب، يظهر أن المواطن اللبناني يتصدر أقرانه من الدول العربية بهذا المؤشر، إذ تبلغ حصته 1.35 أونصة ذهب (وزن الأونصة = 31.10 غراما)، فيما تبلغ حصة المواطن القطري 0.64 أونصة، أما المواطن الكويتي فـ 0.60 أونصة، بينما تبلغ حصة المواطن السعودي 0.30 أونصة. ثلث احتياط الذهب اللبناني موجود في قلعة فورت نوكس، فيما آلاف السبائك الذهبية الموجودة تحت الارض في خزائن فولاذية في مصرف لبنان يتطلب فتحها 3 مفاتيح، مفتاح يبقى مع مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان ومفتاحان مع الدوائر المختصة في المصرف المركزي. في المعلومات، فقد بدأ “المركزي” قبل نحو شهر جردة لاحتياط الذهب هي الاولى منذ 1996. الجردة التي يقوم بها مصرف لبنان يحضرها ممثلون عن مفوض الحكومة لدى المركزي، كما تشير بعض المعلومات الى ان “جردة” الذهب الموجود في خزائن مصرف لبنان قد تستغرق ما بين سنة الى سنتين وتحتوي الخزائن أكثر من 7000 سبيكة. وتراوح زنة كل سبيكة ما بين 11 كيلوغراما و 15.5 كيلوغراما. وخلال عملية الجردة تتم إعادة زنة كل سبيكة ويعاد إدخال المعلومات الخاصة بها بالنسبة للحجم والوزن والرقم التسلسلي وتاريخ شرائها اضافة الى البلد المصنّع. أما بالنسبة لليرات الذهب، فيصل عددها الى نحو500 ألف ليرة يعود بعضها الى زمن العثمانيين وأخرى من أيام شاه إيران. وعند الانتهاء من جردة “خزائن” مصرف لبنان، من المتوقع ان يضع “المركزي” خطة لكيفية جردة الاحتياط الموضوع حاليا في قلعة فورت نوكس، مع تأكيد مصرف لبنان ان السلطات الاميركية المعنية ترسل سنويا بيانات مفصلة بالكميات الموجودة من “ذهب لبنان” في الولايات المتحدة.

فكرة بيع الذهب او تسييل جزء منه تعود الى الواجهة عند اشتداد الازمات، فمطلع التسعينات، خرج البعض مروجا لضرورة بيع جزء من الذهب لتمويل بعض مشاريع إعادة الاعمار، حتى ان البعض الآخر طرح هذه الفكرة خلال التحضيرات للمؤتمرات الدولية الداعمة للبنان مثل “باريس 3” و”سيدر”، ليعود هذا الموضوع ويُطرح في الكواليس حاليا بحجة مواجهة الازمة الراهنة، وإطفاء بعض الخسائر.

إن احتياط الذهب لا يوضع على طاولة القمار وممنوع التلاعب به في دولة فاقدة للاسس الدستورية والمالية والشرعية، ويتحكم بمصيرها لصوص وأصحاب مصالح.

Show More

Related Articles

Back to top button