حين تخاطب “القوات” البيئة الشيعية بلغة مرجعياتها
جورج العاقوري _ نداء الوطن
حملت “القوات اللبنانية” ثوابتها وهواجسها وطروحاتها وتوجّهت إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في حارة حريك في زيارة تاريخية هي الاولى من نوعها وتتضمن أكثر من رسالة، وذلك في خضمّ ما يعيشه لبنان من أزمات غير مسبوقة ومفتوحة على كل الإحتمالات وقد تكون مفصلية وعلى وقع التلويح بالحرب الأهلية وبتغيير النظام.
الشفافية والصراحة والرصانة خيّمت على الحوار مع نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الذي دام لساعة من الوقت، وتناول المواضيع الشائكة في عمقها بعيداً عن لغة التكاذب.
طرح الخطيب هواجس أبناء طائفته – حتى تلك المتعلقة بطرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للحياد الذي تؤيده معراب – ورؤيته للحلول من دون أي كفوف. فدعا الآخرين الى “مراعاة هواجس الجنوبيين والخطر الذي يتهددهم من قبل العدو الاسرائيلي”. كما أكد أن “حياد لبنان في ظل التهديدات والإنتهاكات اليومية للسيادة براً وبحراً وجواً من قبل عدو تاريخي لا يبنى عليه لحل أزمات لبنان”.
في المقابل، حاول الخطيب تبديد هواجس الآخرين بمن فيهم “القوات” بقوله: “القرار الشيعي بكل مكوناته ضد أي حرب أهلية أو مذهبية، نحن لسنا هواة حرب وعهد علينا أن السلاح لن يستخدم في الداخل. (…) فسلاح المقاومة لن يتوجه للداخل إنما هو لردع العدوان الاسرائيلي الذي احتل الجنوب ودمر لبنان والذي ما زال يشكل خطراً على لبنان”.
كذلك فعل الوفد القواتي، فلم يخفِ هواجسه وعرض مقارباته بعيداً عن أي محاولة لربط نزاع مع “حزب الله” أو لإبراء سلاحه. فأعلن أن “من أسُس قيامة لبنان، قيام الدولة، الدولة القوية التي تحمي كل أبنائها والتي لا قيامة لها اليوم إلا من خلال حصرية العنف والسلاح بيد القوى الأمنية اللبنانية، ما يعطيها القدرة على حماية جميع اللبنانيين، كما حماية لبنان من أي اعتداء، أكان مصدره العدو الإسرائيلي أو أي مصدر آخر”.
كما دافع الوفد عن طرح “الحياد الذي هو من الأسس المكونة للبنان”، معتبراً ان “الإبتعاد عنها وإنغماسنا في مشاكل الآخرين، ومعاداة العالم العربي المحيط بنا كما المجتمع الدولي، ناهيك عن إضعاف سلطة الدولة وقواها الأمنية بوجود سلاح خارج مؤسساتها الأمنية، وقرارات خارج مؤسساتها الدستورية”، هو ما أوصلنا الى ما نعانيه اليوم من أزمات.
الملفان الحكومي والإنتخابي حضرا ايضاً، فطالب الخطيب “القوى السياسية بتحمّل مسؤولياتها في أسرع وقت والبدء في تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع”، وكذلك الى “تطبيق إتفاق الطائف وإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس شيوخ وقانون إنتخاب على أساس لبنان دائرة إنتخابية واحدة”. كما دعا الى “التعاون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقريب وجهات النظر وحل الخلافات. وكان عرض واضح من وفد “القوات” لأسباب تمنّعها عن المشاركة في الحكومة العتيدة لأنها لا ترى جدوى من تأليف حكومة وفق الأطر التقليدية، مع تشديدها على ضرورة الإسراع بالتشكيل وتأكيدها أنها ستسهل عمل أي حكومة اختصاصيين مستقلين. أما موقفها من قانون الانتخاب فمعروف وكذلك تعاونها مع بري الذي رغم عدم تجديدها له لرئاسة مجلس النواب إلا أنها دوماً حريصة بالممارسة على عدم قطع خطوط التواصل معه.
رسائل عدة عمدت “القوات” الى توجيهها بزيارتها هذه:
1- الرّد على التهويل بحرب أهلية عبر الزيارة بذاتها وعبر الـتأكيد في بيانها على قول الامام علي: “ذهاب النظر خير من النظر إلى ما يوجب الفتنة”.
2- التأكيد من خلال الحوار الذي إرتكز على الصراحة والعمق والجدية أن هذا هو النموذج الذي يحتاج اليه لبنان لا “فولكلور” طاولات الحوار الذي لم يثمر سوى تكاذب.
3- التشديد على أنها تميّز بين علاقاتها مع الطوائف كجماعات دينية في صميم تكوين لبنان وبين الجماعات السياسية ذات اللون الطائفي. فهي تحترم وتجلّ الطائفة الشيعية وتاريخها لذا تعمّدت زيارة المجلس الإسلامي الذي هو مظلة لكل الأفرقاء في الطائفة، وإن كانت في أوج خصومتها مع الفريق السياسي الأساسي في هذه الطائفة أي الثنائي “حزب الله” و”امل”.
4- الرهان على الدور الأساسي الذي بإمكان المرجعيات الروحية أن تلعبه في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ بها البلاد من خلال حضّ الناس من جهة على التسلّح بالإيمان للبقاء في أرضهم ومن جهة أخرى على الحوار لقطع الطريق على أي فتنة. وفي هذا الاطار، تجدر الإشارة الى أن “القوات” خصّصت ضمن تركيبتها الحزبية الادارية مكتباً للتواصل مع المرجعيات الروحية.
5- مخاطبة البيئة الشيعية بأدبياتها ولسان مرجعياتها عبر الإستشهاد بأقوال للإمام علي ومواقف للإمام المؤسس للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى السيد موسى الصدر ووصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وكذلك عبر التركيز على المساحة المشتركة تحت سقف لبنان الدولة والصيغة والكيان في تعدديته ووحدته.
6- الإضاءة عبر إختيار النائب د. أنطوان حبشي لتلاوة البيان على نموذج بعلبك – الهرمل التي تشكّل خزاناً شعبياً لـ”حزب الله” في الأوساط الشيعية ولـ”القوات اللبنانية” في الأوساط المسيحية. هذا النموذج أظهر أن بالإمكان ضبط الإختلاف عبر عدم تحويله الى خلاف. فحدة الكباش السياسي بين الحزبين لم تنعكس يوماً إشتباكاً كلامياً بين نواب المنطقة أو توتراً على الأرض رغم أن لكل منهم حركته.
في زيارتها، أظهرت “القوات اللبنانية” ثباتها على مواقفها، إذ إن اللغة التي تعتمدها في بكركي تعتمدها في المجلس الاسلامي الأعلى. فهل تفتح هذه الزيارة آفاقاً جديدة في العلاقة وتؤسس لحوار مستدام وتعزّز المساحات المشتركة؟!