الانتقادات تطوق الصحة اللبنانية وسط خروج الوباء عن السيطرة
البنك الدولي رفض تمويل قرض مخصص لشراء مستلزمات طبية بعدما قدمت الوزارة مناقصة مع شركة وحيدة تبين أنها تابعة لـ”حزب الله”
لم يسترِح الجسم الطبي في لبنان، فما أن التقط أنفاسه بعد انفجار مرفأ بيروت الصيف الماضي وما خلّفه من دمار لعدد من المستشفيات الرئيسة في العاصمة وملأ البقية بآلاف الجرحى، حتى استعرت أزمة تفشي وباء كورونا، مسجلة أرقاماً قياسية، لا سيما منذ بداية العام الحالي، ما حتّم على السلطات إعلان حال طوارئ صحية، معوّلة على قرار الإغلاق التام في تراجع أعداد الإصابات والوفيات المسجلة يومياً.
وبينما يتكرر الحديث عن انزلاق لبنان إلى السيناريو الإيطالي الطبي، يُرجّح أن يُترجم فشل السلطات المعنية، وتعثّر القطاع الطبي وتخبّطه في تعاطيه مع ملف كورونا، بسيناريو أسوأ من أي سيناريو آخر، خصوصاً أن الكارثة تأتي فيما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية، إذ يرى أستاذ التنمية والاستراتيجية في الجامعة الأميركية ناصر ياسين، أن “تذبذب قرارات السلطة وعشوائيتها يفقدان المواطنين ثقتهم بالإجراءات المتخذة، خصوصاً أن النهج الذي تتعامل به الدولة مع أزمة كورونا، هو ذاته الذي تتّبعه في أزمات أخرى”، موضحاً أن هذا النهج المتخبط في إدارة ملف كورونا يعود إلى المواقف والإجراءات العشوائية التي لا ترتقي لأن تكون سياسات عامة واضحة المسار والأهداف، وغياب القيادة المرجعية لإدارة الأزمة وتعدد الرؤوس والمرجعيات والتنافس السلبي في ما بينها.
المجلس الصحي الأعلى
بدوره، انتقد وزير الصحة الأسبق غسان حاصباني، الفشل الذريع في إدارة ملف كورونا، معتبراً ان الخلل الحاصل في اتخاذ القرارات وغياب مرجعية موحدة يسهمان في الوصول الى الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع الاستشفائي. وأشار إلى أنه خلال تولّيه الوزارة، أطلق “المجلس الصحي الأعلى”، الذي تحددت صلاحياته وفقاً للمادة 104 في المرسوم رقم 8377، والتي تشير صراحة إلى دور المجلس في تقديم التوصيات في حال حدوث أوبئة خطيرة أو كوارث عامة، مستغرباً تجاهل الحكومة ووزير الصحة لدور هذا المجلس الذي يتضمن كل الآليات المناسبة لإدارة ملف كوفيد-19 بدل إنشاء لجان عدة غير فاعلة تتعارض وتتخبّط بتناقضاتها وغير قادرة على تبنّي أي قرار.
وأوضح حاصباني أن الهدف من تفعيل “المجلس الصحي الأعلى” حينها كان الانطلاق بورشة إصلاحية في القطاع الصحي على المدى البعيد، عقب وضع الخطوط العريضة لها ضمن الخطة الاستراتيجية التي أُطلقت تحت عنوان “الصحة 2025″، وعمادها الصحة حق لكل مواطن، مشيراً إلى أنه حينها، وُقّع على سلسلة اتفاقات مع البنك الدولي لتطوير القطاع الصحي، لا سيما المستشفيات الحكومية في مجالات الطوارئ والعناية المركزة والعيادات الخارجية، مستغرباً أداء الوزراء الذين استلموا الوزارة من بعده كيف حاولوا حرف المبالغ المرصودة التي تتجاوز قيمتها الـ 150 مليون دولار عن أهدافها، الأمر الذي أدى إلى تجميدها لفترة، ومن ثم عندما تم التوصل إلى تسوية لاستخدام جزء منها لمكافحة كورونا، صُرف قسم بسيط من هذا المبلغ فقط، ما أضعف قدرة المستشفيات على مواجهة تفشي الوباء الذي نشهده اليوم.
تهريب اللقاح
وتابع حاصباني “إننا نفتقر لخطة طوارئ متكاملة، وكان بالإمكان وضعها قبل 8 أشهر عندما كانت بوادر الإنذار لا تزال في مرحلة مبكرة، أما الآن، فنحن في قلب الكارثة وقد تأخرنا كثيراً”. وأضاف أن الخيار الوحيد اليوم، فتح المجال لمساعدة الجيش والصليب الأحمر في تعزيز قدرة المستشفيات وتوزيع الضغط، مطالباً باستدعاء المتقاعدين وتخفيف الحمل عن الجسم الطبي وإنشاء عيادات ميدانية في مختلف المحافظات
وتخوّف من أن ينسحب الفشل في ملف إدارة أزمة الوباء على عدالة توزيع اللقاحات في ظل تأخر لبنان عن توقيع اتفاقيات لاستقدامها، ووضع خطة وآلية توزيع في اللحظات الأخيرة وبطريقة عشوائية، مشدداً على ضرورة التنبّه والتشدد لجهة حماية اللقاح من التهريب إلى الخارج كما يحصل بالنسبة إلى جميع السلع التي يدعمها المصرف المركزي.
إنعاش مستشفيات “الحزب”
ووفق معلومات مصدرها “البنك الدولي”، فإن إدارة البنك أوقفت تمويل قرض مخصص لشراء مستلزمات طبية بعدما قدّمت الوزارة مناقصة مع شركة وحيدة تبيّن بعد تتبّع “البنك الدولي” لنشاطها أنها تابعة لـ”حزب الله”، في حين أشارت مصادر في وزارة الصحة إلى أنها وضعت دفتر شروط معين ولم تستوفِه سوى شركة وحيدة، هي المذكورة، نافية أن تكون متواطئة مع الحزب. والمفارقة أن البنك الدولي سبق أن قدّم تمويلاً لوزارة الصحة عام 2018 لتطوير القطاع الصحي بقيمة 150 مليون دولار، لم تستفِد منه لأن الوزراء المتعاقبين أرادوا إلغاء معايير الرقابة منه، مما عزز الشكوك حول احتمال استغلاله لتمويل مؤسسات استشفائية تابعة لحزب الله، في حين تؤكد المعلومات أنه في الأشهر الأخيرة، استعارت الوزارة من هذه المنحة مبلغ 40 مليون دولار لإدارة الأزمة، استُخدم منها 11 مليوناً لاستيراد مستلزمات لكورونا وشراء كمامات وقفازات، إلا أن مسؤولين في عدد من المستشفيات الرئيسة يؤكدون أنهم لم يستلموا منها شيئاً.
الترصد الوبائي
وفي السياق، أكدت مصادر في الصليب الأحمر اللبناني أن وزير الصحة حمد حسن رفض عرضاً لترصّد الانتشار الوبائي في مختلف المناطق، مشيرة إلى الاستعاضة عن عرض الصليب الأحمر بـ 40 متطوعاً من الهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله”. كما لفتت إلى أن الأمر ذاته انسحب على مطار بيروت، حيث يبرز دور متطوعي الهيئة الصحية في إجراء فحوصات الـ PCR للوافدين.
إلا أن مصادر مقربة من الوزير، أوضحت أن سبب الرفض يعود إلى أن عرض الصليب الأحمر كان يعتمد على جمع المعلومات والإحصاءات عبر الاتصالات المكتبية، في حين أن متطوعي الهيئة الصحية يعملون ميدانياً في مختلف المناطق اللبنانية.
الأوكسجين المفقود
وفيما تعاني المستشفيات اللبنانية نقصاً كبيراً في المستلزمات الطبية وامتلأت أسرّة العناية الفائقة فيها وغرفها والطوارئ بحالات كورونا، برزت فضيحة وجود 50 جهاز تنفس أوكسجين في المدينة الرياضية ببيروت، مقدّمة كهبة من دولة قطر مع مستشفى ميداني بعيد انفجار المرفأ قبل 6 أشهر، لم يتم تركيبه بعد، إلا أن الوزارة بررت الأمر في بيان لها بأن هذه الأجهزة لا تصلح للعناية الفائقة، مشيرةً إلى أنها ستوزع قريباً 18 قطعة من أجهزة التنفس الكاملةICU Ventilators، لاستخدامها في أقسام العناية الفائقة للمرضى من ذوي الحالات الحرجة، وهي تشكّل الدفعة الأخيرة من سلسلة دفعات اشترتها الوزارة في شهر مارس (آذار) الماضي.
الرسول الأعظم أولاً
وفي فضيحة أخرى مرتبطة بتوزيع السقوف المالية للمستشفيات، تشير معلومات إلى غياب المعايير التي وزّعت على أساسها السقوف، إذ كشفت عن أن المستشفيات التي تدور في فلك “حزب الله”، حصلت على حصة الأسد من خلال مرسوم مرّرته الحكومة قبيل استقالتها، وتضمّن زيادات مالية على السقوف المحدّدة لكل مستشفى، لكن الزيادات لم تكن متوازنة، بل كانت تُرصد زيادات ضخمة للمستشفيات والمراكز الصحية التابعة للحزب، لا سيما مستشفى الرسول الأعظم الذي حظي بزيادة قدرها 5.5 مليار ليرة لتصبح موازنته 14.7 مليار ليرة، وهو الأعلى في لبنان بين المستشفيات الخاصة في البلد.
وبمقارنة الأرقام، أعطيت زيادة 300 مليون ليرة فقط للمستشفى الإسلامي الخيري في طرابلس المكتظة، فيما لديه 200 سرير، ومستشفى السلام الذي لديه مركز متخصص بالحروق وهو من القلائل في لبنان، ولديه 200 سرير حصل على زيادة 250 مليوناً لتصبح موازنته 1.7 مليار ليرة، وهو في منطقة بأمس الحاجة للعلاج على نفقة وزارة الصحة. أما مستشفى سيدة المعونات الجامعي الذي يخدم منطقة الشمال وصولاً إلى جبيل وكسروان وهو أكبر من مستشفى الرسول الأعظم، ويحتوي على 350 سريراً ولديه خدمات طبية متقدمة جداً، فحصل فقط على زيادة 270 مليوناً لتصبح موازنته من الوزارة 7.3 مليارات ليرة.
في المقابل، برّر مصدر طبي مقرّب من وزير الصحة ما سبق، بأن رفع السقف المالي لمستشفى الرسول الأعظم بما يفوق الزيادات في باقي المستشفيات يعود إلى أن “المستشفى المذكور يكاد يكون الوحيد في بيروت الكبرى الذي لا يزال حتى اليوم يستقبل مرضى وزارة الصحة، بخلاف باقي المستشفيات التي ترفض استقبالهم، إضافة الى أنه ينفرد بمركز جامعي لجراحة القلب”، في حين أشار الوزير حمد حسن إلى أنه اعتمد على الآلية التي كانت قد وُضعت عامي 2017 و2018.
المصدر: طوني بولس _ اندبندنت عربية