ليست هذه المقالة للدفاع عن سمير جعجع، لأنه في الأصل ليس محل اتهام.
بل هي محاولة مني لتوضيح معنى الإجرام، ومتى يكون المرء مجرماً.
بداية الإجرام هو فعل وليس رد فعل.
والمجرم هو الذي يُقدِم على أفعال دموية بحق آخرين بلا أي مبررات، تدفعه للقيام بعمله الجرمي.
يطارد المجرم نفسه في دماء الآخرين وسلامهم وأمنهم بحثاً عن الفرار من نفسه، ولا يتوقف إلى أن يحقق فعل الجرم في دمه وروحه وجسده، وقد سقط ميتاً.
لم يكن سمير جعجع قبل الحرب خريج إحداثيات وسجون، ولم يكن طفل شوارع شردته ظروف أسرة، ورثت الدماء والثارات، ولم يكن من بيئة قطاع طرق، تعتاش على اغتصاب ممتلكات الآخرين.
فتعالوا نطرح مجموعة أسئلة، قد تبسط تعقيدات الفهم المتشبص بقناعات، تقوم على الكراهية فقط:
– ما هو شعور إنسان يعبر الشارع، وير لحظة عبوره طفلاً تضربه أمه بلا رحمة، رغم علمه العميق بأن الأم يستحيل أن تكره ابنها؟!
– ما هو شعور طفل، يرى أباه الأعزل يسقط أمامه برصاصة قناص؟!
– ما هو شعور شاب يرى عصابة تتحرش بفتاة تسير في الطريق، والكل يتهيب التدخل؟!
– ما هو شعور أب يرى ابنته تغتصب أمامه؟!
– ما هو شعور صاحب محل، وقد دخلت عصابة تسرق محله؟!
– ما هو شعور رب أسرة، يستيقظ على من يكسر باب بيته ليلاً، ليسرقه؟!
– ما هو شعور رجل تسلب منه زوجته بالقوة والعنف؟!
وغيرها من الأمثلة.
– هل سيكتفي كل من تعرض لمثل هذه المواقف، بالصدمة، والاستسلام، ثم البحث عن أخصائي؛ يعالجه من آثار ذلك؟!
– هل من الطبيعي أن تتشابه ردود أفعال الجميع على تلك المواقف؟!
بالطبع كلنا يعرف الإجابة.
– هل إن يسوع المسيح الذي ردد على الصليب:
“ربي اغفر لهم فإنهم لا يعلمون ما يفعلون”
كان سيتخذ الموقف نفسه، لو انه رأى العذراء مريم، تتعرض للاغتصاب أو للذل، ثم تعلق على الصليب؟!
كلي ثقة وإيمان أن المرء يستطيع الصفح عمن أساء لدمه وكرامته وجسده.
لكن هل يستطيع ما استطاع لو كانت الأذية في أهله وببته ومجتمعه وعرضه وأرضه؟!
حتما أنا لا استطيع الصفح، رغم كل قناعاتي برفض العنف والقسوة، ورغم كل إيماني بالمحبة والسلام.
فالمحبة والسلام لا تكون على حساب الضعفاء، والأبرياء والعزل والأهل الأرض والوطن.
ورد الفعل بررته كل شرائع الأرض والسماء تحت تسمية الدفاع المشروع عن النفس ومقاومة المحتل.
ومحبة العدو التي يحثنا عليها الكتاب المقدس، لا تعني بتاتاً أن يغدو المحب ديوثاً يسلم بناته وزوجته لمن يطلب اغتصابهن، وأرضه للمحتل، وأملاكه للسارق بغير جوع.
ولقد أكد القرآن الكريم على مقاتلة الذين يقاتلوننا في الأية ١٠٩ من سورة البقرة :
“وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”
لم يحمل سمير جعجع بندقيته في شوارع تلك المدينة العربية، ولا تلك الجبهة خارج الوطن المدفوعة الأجر لأجل محور ما.
ولم يخرج شبراً خارج أرضه، ليغتصب ما ليس من حقه.
لقد حمل السلاح دفاعاً عن بيت امراة عجوز، وعن شيخ فقد قدرة الدفاع عن نفسه، وعن أطفال امرأة رملتها الحرب بغير حق.
لقد وقف في وجه معتد قصد سهله وحقله وحديقة بيته، وما من مبرر للتصفيق لذلك المعتدي.
لا بل إن القيم الإنسانية تقول: إن سمير جعجع كان سيعتبر أكبر مجرم لو أنه تخلى عن نصرة أهله، وما دافع عن أمه واخته وزوجته وأهله وجيرانه وقريته ومدينته ووطنه، عندما كان يستطيع.
ولنتذكر أن أعظم مبررات الرحمة بالمتهم خلف أقواس المحاكم إجابته بأنه قتل دفاعاً عن النفس.
والأنفس التي دافع عنها المجرم سمير جعجع تستحق كل نواياه الجرمية وإصراره المسبق في الوقوف في وجه المعتدي وتصويب البندقية إلى صدره وقتله، وإن عاود المعتدي النهوض، يتحتم عليه تكرار فعل الجرم.
فلا محبة ولا سلام يمكن أن يردعا المعتدي المجرم الذي ليس له في دارنا وأرضنا إلا المقاومة.
وإن الدماء التي لطخت كف سمير جعجع دماء غاصبين، وليست دماء حجاج أتوا يطوفون حول كعبة الإنسان في وطننا بسلام، وينثرون عليها الورود والرياحين، وإن الآلاف من شهدائنا الذين سقطوا دفاعاً عنا وعن وطننا، يشهدون على قدسية رد الفعل الذي اتخذوه.
عمر سعيد
Back to top button