بين جمهورية الانفجار و جمهورية “السكاي بار”
كتب د.وليد فارس
كثيرون يسألوني اذا حل وقت ليهاجروا من لبنان لفقدان الامل، لانهم “لا يروا حلاً”. و جوابي لهم: ابداً، بالعكس، فلبنان لم يكن قريباً من مرحلة افضل مما كان عليه، كهذه المرحلة. فيُصعق السائلين و يسألون: و كيف ذالك و الاقتصاد منهار، و حزب الله مُسيطر و الطبقة الحاكمة قائمة على الفساد، و لا احد يساعدنا؟
فأقول لهم: طبعاً الوضع صعب جداًَ، و لكنه استراتيجياً افضل…اذا و فقط اذا، تم التحرك باتجاه معين، دون اخطاء، بتركيز، و دون التأثر ببروباغندا حزب الله النفسية، مما كان عليه في الثلاثين سنة الماضية. فيعجبون اكثر.
الوضع ما بين ١٩٩١ و ٢٠٠٥ كان الاكثرخطورة. لان الجيش السوري و مخابراته كان يحتل لبنان احتلالا كاملا، و حزب الله يكتسب قوة محلية و اقليمية متزايدة و يُعتبر “مقاومة” حقيقية بطلة، و المقاومة السابقة للمحور دٌهست، او مبعثرة، و بعد ذلك سُجنت. و الاسوأ من ذلك ان الغرب اعتبر لبنان عائد الى الازدهار و حزب الله “لبناني”. و معظم اللبنانيين هرولوا باتجاه الاعمار، و الاحتفالات الثقافية، و بات ذاك الزمن رمزٌ لما ما اطلقت عليه “جمهورية السكايبار”.
تلك الجمهورية كانت تُنهش من الداخل، وهذا ما ادى الى ثورتي ٢٠٠٥ و ٢٠١٩. اما ثور ة الارز فكانت قصيرة و سقطت بسبب فشل ادارتها. و عادت البلاد الى الانحطاط مع فرض حزب الله لحكمه المباشر منذ ٢٠٠٨. و انخرط الحزب في حروبه الاقليمية. المفارقة ان البلاد دخلت في و ضع اقتصادي أسوأ، فشعر اللبنانيون بردآة وضعهم المعيشي، بعكس زمن السكايبار الطائش.
و انفجر الشعب اللبناني في اكتوبر الماضي، فاضحى الوضع الاجتماعي الاقتصادي اسوأ، ولكن وضع الوعي الشعبي بات اقوى من التسعينات. العالم بات يعرف ان اللبنانيين بمعظمهم يرفضون النظام القائم. و بعد ٤ آب، و منذ الانفجار، شعر معظم اللبنانيين بان لا عودة الى الوراء قبل انهاء السيطرة المسلحة لحزب الله، بطريقة او باُخرى، بشكل كامل او بشكل متدرج. و هذه هي بنظرنا اقوى و اهم مرحلة في نضال الشعوب.
عندما يعي الشعب انه لا عودة الى الوراء، و انه لا دواء الا دواء واحد لا غيره ممكن. عندها يفهم الخصم ان ثمن ابقاء موقفه الغير عادل سيكون اغلى من ابقاؤه. و يعرف الصديق ان كل الطرق الاخرى قد جُربت و هي الان مسدودة، و لا مجال للمساعدة الا عن طريق واحد، و هو تطبيق القرار ١٥٥٩
لهذا نقول ان افضل ما في هذه المرحلة الان هو الوعي المتزايد، الذي غاب كلياً و من ثم جزئياً منذ ثلاثين عام. للاسف فما يُحدث الوعي هو مصائب و كوارث. اذ ان نفس الكلام الذي قيل في بداية عقود الانحطاط بعد ١٩٩١، لم يسمعه الناس المحتفلة في جمهورية السكايبار. اما الان وبعد النكبة، فالناس عطشة لكلمة، و تريد الوثوب. الان، و بالرغم من المصائب، و ربما بسبب المصائب، المواطنين باتوا اسياد انفسهم، او على الاقل، كثير منهم. لذلك ما كان “فالج لاتعالج” منذ ٣٠ سنة بات نوماً انقلب يقظة. هذا هو الفارق الذي يُعتمد عليه الان.
د. وليد فارس