تحت المجهر

«ناشونال إنتريست» عن مرفأ بيروت: كهف علي بابا ومعقل للفساد والسوق السوداء

ذكرت مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية في تقرير لها، أن الانفجار أكثر مأساوية لأنه كان متوقعاً من جانب مسؤولي المرفأ مراراً وتكراراً. ففي يناير الماضي، كتب مسؤولو الجمارك اللبنانية إلى الهيئة القضائية المسؤولة رسالة، طلبوا فيها أمراً من المحكمة بالتخلص من نترات الأمونيوم، ومحذرين من أنها إذا بقيت في مكانها يمكن «أن تنسف بيروت كلها»، وكانت هذه هي الرسالة الأحدث والأكثر إلحاحاً في سلسلة من الرسائل التي لم تلقَ رداً منذ عام 2014.

أعقب الكشف عن هذه المعلومات غضباً كان متوقعاً، وعلى الفور، رتب رئيس الوزراء اللبناني حسان دياب لإجراء تحقيق فوري لتحديد المسؤولية عن الحادث. وليس من المرجح أن يسفر التحقيق عن ذلك. ومن المؤكد أنه سوف يتم التوصل لسبب مباشر للشرارة التي أشعلت الحريق، وسوف يتم إلقاء حفنة من الموظفين منخفضي المستوى في السجن للخضوع لبعض المراقبة الطفيفة.

وعلى نطاق محدود، حدث ذلك بالفعل، فقد تم وضع العديد من مسؤولي المرفأ تحت الإقامة الجبرية. لكن من المرجح أن يظل المجرمون الحقيقيون: سوء الإدارة الحكومية، والفساد الممنهج، والتجاهل السائد لحكم القانون من جانب كل المستويات العليا والدنيا، مطلقي السراح في المستقبل القريب.

وأضافت «ناشونال إنتريست» أنه في أي دولة بها حكومة تؤدي عملها على أكمل وجه، كان من المحتم أن يتم اتخاذ إجراء بالنسبة لتحذيرات المسؤولين المحمومة المتكررة. لكن لبنان ليس من هذا النوع من الدول. فعلى الرغم من أنها أكثر الدول تنوعاً عرقياً في الشرق الأوسط، إلا أنها ما زالت منقسمة بشكل عميق على أساس ديني منذ تأسيسها.

نظام التمثيل النسبي الذي تم إقراره وقت استقلال لبنان لم يتوافق مع تغيرها السكاني، ما أدى لحرب أهلية وحشية استمرت من عام 1975 حتى عام 1990 لم يتم على الإطلاق إصلاح ما ألحقته من أضرار بالبنية الأساسية للبلاد بشكل كامل.

وعلى الرغم من أن لبنان حقق بعض التعافي خلال السنوات العشر الأولى من هذا القرن، أدت مجموعة كبيرة من الأزمات السياسية والاقتصادية بعد ذلك إلى إضعاف الحكومة المركزية وأصبحت على حافة الانهيار. ففي بيروت التي كانت توصف في وقت من الأوقات بأنها «باريس الشرق الأوسط»، يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر و30% بدون عمل.

وفي ظل هذا الكم الهائل من المشاكل يحتمل أنه لم يتم التعامل بجدية كبيرة مع أي تحذيرات غامضة تتعلق بمحتويات مستودع في المرفأ.

وأحد أسباب تعقيد وصعوبة معالجة أزمات لبنان هو وجود ثقافة فساد منتشرة في كل مستويات الحكومة. وربما ليس هناك مثال أفضل لهذه المأساة، ما حدث في مرفأ بيروت نفسه.

وقبل تدمير المرفأ يوم الثلاثاء الماضي، كان السكان المحليون يصفونه بــ«كهف علي بابا والأربعين حرامي»، في إشارة إلى الفساد واسع النطاق: التهرب من الضرائب، والتهريب، ومبيعات السوق السوداء، التي كانت تتم فيه.

ووصف وزير الأشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي شبكة معقدة للتهريب في المرفأ، تعتمد على كثير من الوسطاء والرشاوى على كل مستويات عملها. وقال العريضي إن هذا كان يكلف المرفأ حوالي مليار دولار من إيرادات الرسوم كل عام.

ويعد سوء إدارة المرفأ صورة مصغرة للطبقة السياسية اللبنانية الأوسع نطاقاً، المقسمة على أساس الطوائف الدينية والرعاة الأجانب، حيث الميول تجاه الغرب أو تجاه سوريا، لكن تبدو هذه الطبقة متحدة في قبولها الضمني للوضع القائم الذي يزداد سوءاً وتجاهلاً لرفاهية اللبنانيين العاديين. ودفعت المناورات السياسية الحكومة إلى التحول من موالاة دمشق إلى موالاة واشنطن والعودة مرة أخرى، لكنها ظلت غير فعالة على الدوام.

وعندما تهمل الحكومة قيامها بمهمتها، تقوم منظمات خاصة مثل «حزب الله» بملء الفراغ السياسي الذي تخلفه الحكومة. وحزب الله مصنف من جانب الولايات المتحدة بأنه منظمة إرهابية، لكنه يعمل أيضاً كمنظمة خدمات اجتماعية، يوفر الطعام والرعاية الطبية للبنانيين الفقراء وهو ما لا تفعله الحكومة.

وبعيداً عن نظريات المؤامرة، من المحتمل أن يسفر التحقيق المنتظر عن قرار بأن الانفجار كان حادثاً وليس تفجيراً، وهو ما سيزيد من صعوبة إلقاء لوم التسبب في المأساة على أي طرف. ومن المفارقة، أنه من المحتمل أن يحقق هذا الكثير بالنسبة لعدم تكرار مثل هذا الحادث.

فأي انفجار يقوم به إرهابيون يمكن بسهولة إلقاء اللوم على الإرهابيين. وبالنسبة لأي انفجار يكون سببه الفساد وعدم الكفاءة يجب إلقاء اللوم على مصدر ذلك الفساد وعدم الكفاءة. فلم يقم أي فصيل معين داخل الطبقة الحاكمة بتدمير بيروت، ولكن الطبقة الحاكمة ككل هي التي دمرت بيروت، وهم يقومون بتدميرها ببطء طوال العقد الماضي.

إن غضب ما بعد الانفجار الذي يشهده لبنان الآن سوف يجعل من الممكن تحقيق تغييرات ملموسة وممنهجة من ذلك النوع الذي يحتاجه لبنان طوال تاريخه.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button