تحت المجهر

إيران تحقق أرباحاً هائلة عبر صفقات “الدواء” في لبنان

التدخلات الإيرانية في مصير اللبنانيين لم تتوقف، فالسيطرة الإيرانية على قوة الشارع عبر سلاح ذراعها “حزب الله” باتت اليوم تأخذ أشكالاً جديدة وبشكل حيوي أكثر، ولعل آخرها الضجة التي حصلت حول ملفالأدوية الإيرانية، في الوقت الذي يعيش فيه البلاد أسوأ الأزمات المعيشية والاقتصادية.

 

فقد وجه سياسيون معارضون لحزب الله سلسلة انتقادات له، متهمينه بجر البلاد إلى الحضن الإيراني عبر أبواب عدة من الفيول إلى الأدوية وغيرها، بحسب ما قال فارس سعيد في سلسلة تغريدات على حسابه على “تويتر”، الأربعاء.

أتت تلك الاتهامات بعد تكرار محاولات إدخال الدواء الإيراني إلى لبنان، بتسهيل من وزارة الصحة التي باتت من حصة حزب الله منذ العام 2018 وحتى اليوم.

ولعل المفارقة في هذه المحاولات أنها مخالفة للمعايير المتّبعة والتسلسل الزمني في عملية تسجيل الأدوية وهو ما دفع نواباً في البرلمان اللبناني إلى رفع الصوت رفضاً لما يحصل في وزارة الصحة من “استغلال” للفوضى الاقتصادية والمعيشية التي تضرب لبنان بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية ولإنشغال اللبنانيين بمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجدّ.

“59 دواء مشكوك بجودتها”

ويأتي في الإطار ما أعلنه النائب في البرلمان اللبناني، فادي سعد، منذ أيام عن “أن هناك 59 دواء Biosimilaires ” بيو-متشابهة” أتت من دول غير مرجعية، كما أنها مشكوك بطريقة تسجيلها في وزارة الصحة اللبنانية، ولا تحمل شهادة الجودة”، لافتاً إلى “أننا لم نرَ تعاطياً جدّياً مع موضوع الدواء الإيراني في لبنان، وهذه الأدوية يتم تسجيلها بطريقة سريعة”.

وسارع وزير الصحة، حمد حسن، أمس إلى الردّ على ما يثيره الدواء الإيراني من تعليقات إعلامية منطلقة من اعتبارات سياسية على حدّ تعبيره، بقوله “المختبر المركزي في إيران مطابق للشروط العالمية لتحليل المستحضرات الطبية، وإن مختبر CinnaGen الإيراني المصنع لبعض أدوية الـBIOSIMILAR حاصل على GMP أي شهادة التصنيع الجيد من EMA (European Medicianal Agency)، مما جعله من أوائل المصانع البيولوجية في المنطقة الحائزة على هذه الشهادة الأوروبية ولديه فروع في تركيا”.

تسجيل سريع ومشبوه!

في المقابل، أكد النائب سعد أن أدوية إيرانية تم تسجيلها بطريقة سريعة ومشبوهة خلافاً للمعايير المتّبعة، وهي لا تستوفي الشروط العلمية المطلوبة”.

كما أشار إلى “أن هذه الأدوية تتعلق بالأمراض المُزمنة، وبالتالي لا يُمكن إجراء التجارب عليها إلا في مختبرات دولية”. وأفاد بأن “6 أدوية إيرانية تم تسجيلها “بالسرّ” في وزارة الصحة وهي غير مستوفية كامل شروط الوزارة، ما يؤكد أنهم يقاربون هذا الموضوع من منطلق سياسي وعلى حساب صحة اللبنانيين، لكننا سنكون لهم بالمرصاد ولن نسمح بالتعاطي مع ملف حسّاس كهذا من زاوية سياسية”.

إلى ذلك، أعلن النائب المعارض وهو عضو في لجنة الصحة النيابية في البرلمان اللبناني “أن هناك دواءً اسمه Linoma يعطى لمرضى سرطان الدم كبديل، جاء هبة من إيران، ويوزّع في مستشفى الكرنتينا (مستشفى حكومي) في بيروت من مستودعات وزارة الصحة”. وقال “هذا الدواء غير مطابق للمواصفات العلمية ولا يُستخدم في دول العالم باستثناء إيران، وهذا أمر خطير على صحة المرضى”.

قصة قديمة-جديدة

يذكر أن مسألة الأدوية الإيرانية بدأت تطفو على السطح عندما تولّى وزير الصحة السابق جميل جبق المقرّب من حزب الله مهماته، فتدخّل شخصياً على خط تسجيل 24 دواءً إيرانياً قُدمت طلبات تسجيلها إلى وزارة الصحة التي وبحسب الإجراءات المرعية، ترفع الطلب إلى اللجنة الفنية التابعة للوزارة والمؤلفة من طبيبَيْن وصيدليَّيْن و4 أعضاء آخرين لتمنح موافقتها بعد استيفاء كل الشروط، فيُعتمد الدواء في السوق المحلية.

وخلافاً لكل المعايير المتّبعة، طلب وزير الصحة بتسريع تسجيل هذه الأدوية مستخدماً صلاحياته الاستثنائية، لتردّ اللجنة العليا بعدم تسجيل الأدوية قبل صدور التحاليل اللازمة من المختبر المرجعي المعتمد في الوزارة في إسبانيا، وهذا الإجراء يتطلب عادة مدّة زمنية ما بين 6 أشهر وسنة.

تدخل وزير الصحة

إلى ذلك، قال النائب السابق عن كتلة “القوات اللبنانية” فادي كرم  أنه في سبتمبر/أيلول 2019، تم التقدم بطلب لتسجيل أدوية “بيو-متشابهة” (Bio Similar) إلى وزارة الصحة، وهو إجراء يحتاج عادةً إلى أشهر عدّة قبل الوصول إلى اللجنة الفنية”.

وأضاف “لكن بتدخل” من الوزير المحسوب على حزب الله رُفعت ملفات تلك الأدوية إلى اللجنة المذكورة بعد مرور أقل من شهر، لتُصدِر اللجنة في 25 سبتمبر الماضي، قرارها بتعليق هذه الأدوية بانتظار مستندات إضافية والاستحصال على شهادات من مختبرات عالمية، ليعود الوزير ويتدخل في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بطلب استثنائي لتسريع تسجيلها في سابقة لم تحصل قبل، لتردّ مرةً جديدة اللجنة الفنية في وزارة الصحة بالسماح بإدخال هذه الأدوية شرط اكتمال الملفات والتجارب الإضافية والاستحصال على شهادات من مختبرات مرجعية. وهذه الإجراءات تحتاج على الأقل إلى مدة سنة وستة أشهر، لكن يبدو أن إصرار وزير الصحة فعل فعله، فظهرت خلال شهر مايو/أيار الماضي على الصفحة الرسمية لوزارة الصحة لائحة بالأدوية الإيرانية التسعة”.

إلى ذلك، رأى أنه “من الواضح أن هناك قراراً سياسياً من حزب الله بوضع سوق الدواء في لبنان في خدمة الصناعة الإيرانية الدوائية التي أثبتت أنها غير فعّالة وغير مطابقة للمعايير الدولية وشروط المختبرات المرجعية”.

ولم يستبعد “أن تلجأ وزارة الصحة إذا بقيت تحت سيطرة حزب الله الى منع دخول أدوية أساسية ذات جودة عالية بهدف تحويل المريض إلى استخدام الأدوية الإيرانية البديلة”.

 

7 أدوية إيرانية

في المقابل، لفت نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين لـ”العربية.نت” إلى “أن سبعة أدوية إيرانية BIOSimilar مُسجّلة لدى وزارة الصحة اللبنانية، لكن حتى الآن لم يتم بيعها في السوق اللبنانية، وهذه الأدوية مستوفية شروط وزارة الصحة وتم تقديمها وفق الطرق القانونية المطلوبة”.

ويُشكّل لبنان سوقاً تنافسياً للأدوية من مختلف دول العالم.

وأوضحت نقيبة مصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم لـ”العربية.نت” “أننا نواجه تحدّياً كبيراً، لأن السوق اللبنانية مفتوحة أمام أدوية من مختلف الدول (مصر، الأردن، الأرجنتين، الهند، إيران..) في حين أن هذه الدول لا تُعاملنا بالمثل وتواجهنا بعوائق تقنية”.

تناقض كلام وزير الصحة

من جهته، قال هادي مراد الطبيب والمسؤول الإعلامي في لجنة أطباء “القمصان البيض” لـ”العربية.نت” “إن تسعيرة الدواء هي المرحلة الأخيرة التي يمرّ بها الدواء قبل توزيعه في السوق، في حين أن وزير الصحة قال في إحدى مقابلاته إننا عندما ننتهي من مرحلة تسعير الأدوية سنُرسلها إلى مختبر مرجعي في أوروبا. فهذا التناقض إن دلّ على شيء فإلى أن ما يجري في هذا المجال مخالف للمعايير الدولية”.

كما اعتبر أنه “لولا جائحة كورونا التي انتشرت في لبنان لكانت الأدوية الإيرانية المُسجّلة منذ شهر مايو/أيار الماضي تغزو السوق اللبنانية، والأدوية الإيرانية المُسجّلة باتت مسعّرة وهي تنتظر أن تدخل إلى لبنان عبر الطائرات”. وأضاف “أي دواء في لبنان يجب أن يسلك مساراً واضحاً لتسجيله والأدوية البيو-متشابهة تتطلّب عدداً كبيراً من التحاليل، كونها تشبه الدواء الأصلي لكنها تختلف من حيث المكوّنات. كما يجب اعتماد الأدوية المصادَق عليها من قبل منظمة الصحة العالمية (WHO) وإدارة الأغذية والعقاقير الأميركية (FDA) والأوروبية (EMA). ولم يُحترم أي من هذه المعايير في اعتماد الأدوية الإيرانية”.

وفي تقدير للأرباح التي ستُجنيها إيران عندما يُفتح السوق اللبنانية أمام أدويتها، أشار مراد إلى “نحو 900 مليون دولار عائدات من الأدوية على حساب صحة اللبنانيين، من هنا نفهم إصرار حزب الله على استحواذ وزارة الصحة لتبقى تحت سيطرته”، بحسب تعبيره.

المصدر: العربية

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button