مروان اسكندر: باسيل أحرق احتياط الدولار وهو سبب ازمة الكهرباء
“إصلاح الكهرباء هو الممرّ الإلزامي للحصول على المساعدات”. بهذه الجملة المقتضبة يكرّر الخبير الاقتصادي مروان اسكندر رأيه في كيفية الخروج من الأزمة. وفي حديث مع “أساس” عن الأزمة الاقتصادية، يعتبر أنّ “التيار الوطني الحر” هو “المسؤول الأول” عن “تبّخر الدولارات” من احتياطي مصرف لبنان، بسبب تعنّت رئيسه جبران باسيل في إدارة ملفّ الكهرباء، من دون تسجيل أيّ إنجاز أو تحسين في إنتاج الكهرباء وزيادة توفيرها للمواطنين، على مدى 10 سنوات.
في نظر اسكندر، فإنّ خطة الحكومة لحلّ الأزمة الاقتصادية “لا يمكن تسميتها خطة على الاطلاق”، لأنّ نجاحها يرتبط بموافقة صندوق النقد الدولي والدول المانحة في مؤتمر “سيدر” على منحنا المساعدات، المعلّق بتُّها بانتظار إجراء إصلاحات في ملف الكهرباء. ملفّ لم تنجز فيه الحكومة أيّ تقدّم حتّى اللحظة. ولذا، فالحكومة “لن تحصل على قرش واحد بلا الإصلاح المنشود”.
اسكندر الذي كتب حتّى الثمالة في موضوع الكهرباء، وكان آخر ذلك كتابه “أسباب الانتفاضة… مطبّات السياسة الاقتصادية المالية اللبنانية”، يعيد تذكيرنا بأنّ حاجة لبنان للطاقة تبلغ نحو 3000 ميغاوات، فيما الطاقة المنتجة اليوم لا تتعدّى 1200 ميغاوات يضاف إليها 270 ميغاوات، إنتاج الباخرتين المستأجرتين. وهذا يعني أنّ لبنان يعاني من عجز دائم يُقدّر بنصف المنتج تقريباً (1500 ميغاوات)، فيما كلفة النصف الذي ينتجه هي مليارا دولار سنوياً. كما يلفت في هذا الصدد، إلى أنّ 1500 ميغاوات من التيار الكهربائي تصل إلى نحو 90% من اللبنانيين من المولدات الخاصة (الاشتراك) التي أمسى إنتاجها يعادل أو يفوق بقليل إنتاج “مؤسسة كهرباء” نفسها، تكلفتها مليار دولار يدفع اللبنانيون ثمنها لأصحاب المولدات ما يقارب 1.6 مليار دولار سنوياً (هامش ربح نحو 600 مليون دولار سنوياً)، وأنّ تكلفة تجهيز هذه المولدات ووصلها بشبكات التوزيع وما إلى ذلك من مستلزمات، قد بلغت نحو ملياري دولار، وهذا الرقم كفيل ببناء معملين يغطيان حاجة لبنان!
أما أسعار المشتقات النفطية التي تغذّي مصانع الإنتاج، فيؤكد اسكندر أنّها باهظة جداً وتمثّل نحو 50% من عجز ميزانية كهرباء لبنان، كما أنّ الهدر التقني (10%) والسرقات (20%) والامتناع عن الدفع (12%) كلها تتسبّب مجتمعة بما يقارب 50% من العجز في تحصيل الفواتير. هذا في نظره، من أسباب الكارثة المالية والإنتاجية في ملف الكهرباء. فالمؤسسة تتحصّل على نحو 650 مليون دولار فقط من مجموع الفواتير (50%) وتتكبّد ملياري دولار سنوياً. أي إنّ أصحاب المولدات الخاصة في المحصّلّة، ينتجون 1500 ميغاوات فيكسبون 600 مليون دولار، فيما الدولة تنتج الرقم نفسه وتتكبّد خسارة بمليار دولار.
يُنقل عن إحدى الشركات المنتجة للطاقة في لبنان أنّ تكلفة الكيلوات الواحد في إيران 5 سنتات، وفي فرنسا 6 سنتات، لكن في لبنان كلفته على المنتج نفسه 28 سنتاً، يوضح اسكندر أنّ هذا الرقم كفيل بنقل صورة جليّة عن الضرر الذي تتكبّده خزينة الدولة في دخلها القومي بسبب الكهرباء. فأكلاف دعم الكهرباء وارتفاع سعر المشتقات النفطية، كبحت نمو الدخل القومي اللبناني الذي بقي عاجزاً عن القفز فوق 2% سنوياً. هذه الأكلاف “بخّرت احتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان، وهو احتياطي المصارف الذي أخذته من ودائع الناس”.
ينبش اسكندر في ذاكرة السنوات العشر التي قضاها “التيار الوطني الحر” متولّياً حقيبة الطاقة، فيستذكّر إصرار باسيل على تغيير المواصفات في عقد معمل دير عمار مع شركة (BUS) لصاحبها نزار يونس، وخفض قدرة إنتاجه من 650 إلى 450 ميغاوات في العقد، ثم فشل المشروع لأكثر من سبب. لعلّ هذا الخفض مهّد للحديث عن معمل سلعاتا الذي يتمسك به باسيل. يقف عند الجدوى من مواجهة رئيس الجمهورية ميشال عون لقرار مجلس الوزراء إسقاط معمل سلعاتا، الذي اتُخذ بموافقة 15 وزيراً، فيرى أنّ غيرة عون على ضرورة إنشاء معمل في المناطق المسيحية غير دقيقة إطلاقاً، مذكّراً بعرقلة باسيل لمشروع “شركة كهرباء جبيل” و”بنك بيبلوس” قبل 5 سنوات، ورفضه منحهم ترخيصاً على غرار ترخيص كهرباء زحلة، ويسأل: “أليست جبيل منطقة مسيحية ومُعدّ المشروع مسيحي أيضاً؟”.
في عهد الوزيرة ندى بستاني التي يعتبرها اسكندر غير ملمّة بملف الكهرباء، كان للوزارة 210 ملايين دولار هبة من الصندوق الكويتي معلّقة منذ 2016، ومخصّصة لتحسين أداء معمل الذوق وصيانة تجهيزاته من أجل حماية سكان المنطقة “المسيحيين” من التلوّث والأمراض، فيقول: “تدّعي بستاني عدم معرفتها بأنّ المبلغ مرصود للوزارة ويعود بالفائدة على مسيحيي المنطقة الذين يدّعي تيارها الدفاع عنهم”. وأعطيت إدارة معملي الذوق والجية لـ”شركة صغيرة يملكها نجل تحسين خياط”.
على المستوى التخطيطي وفي علاقتنا مع الجهات المانحة، يرى اسكندر أنّ التوجّه العام خاطىء كلياً، لأنّ الدول الحديثة باتت تصبو إلى إنتاج الطاقة المستدامة، الخالية من حرق نفط أو غاز
يستمرّ اسكندر بالنبش، فيعود إلى العام 2015 يوم قرّر الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي استرداد امتياز “كهرباء قاديشا” كشركة مساهمة تنتج الكهرباء للمدينة 24/24 بقدرة 200 إلى 250 ميغاوات. يومها رُفض طلبهما لأسباب سياسية، علماً أنّ “الاستفادة من المشروع لم تكن محصورة بسُنّة طرابلس وإنما بمسيحييها أيضاً”… فيخلص إلى أنّ مقاربة العهد للملف سياسية بامتياز مغلّفة بثوب طائفي، وأنّ كلام الرئيس عون عن الكهرباء “يخالف الفشل الكبير في تحقيق التيار لأيّ زيادة في الانتاج إلاّ من خلال استئجار بواخر بتكلفة مرتفعة. فالكهرباء كانت بيد تياره لمدة 10 سنوات، فأورثنا ديوناً بقيمة 43 ملياراً و900 مليون دولار على شكل دعم الدولة للقطاع بين الأعوام 2010 و2019. هذه الأموال دُفعت من القروض، ولا تمثّل التكلفة كاملة، بل يضاف إليها خدمة الدين فتصل إلى 65 مليار دولار وهي الآن تشكّل 70% من مجمل الدين العام”.
أما عن حلول أزمة الكهرباء التي يراها “مأساة العهد ومضيّعة مستقبل الشباب ومبخّرة الدولار”، فيؤكد أنّ المفاوضات مع الشركات بحاجة إلى 6 أشهر للوصول إلى اتفاق، ثم إلى سنتين أو 3 سنوات للتجهيز، فيكون بذلك قد انتهى “العهد الميمون”. لكنّ الرئيس عون “يُصرّ على أمرٍ لن يرى نتائجه ولن يساهم في التوصّل إليه”.
اسكندر يميّز بين إجراءات الداخل والخارج. داخلياً وفي الجانب التقني، يرى أن لا مفرّ من تعيين أعضاء الهيئة الناظمة لشؤون الكهرباء، وأن يكون أعضاء مجلس إدارة “كهرباء لبنان” من الفنيين، وكذلك يدعو إلى تسريع إنجاز مركز التحكّم الإلكتروني لتحقيق أفضل مستويات التوزيع على الشبكة من أجل تضييق الفوارق في الإنتاج. وأيضاً تخفيف نِسَب الهدر من خلال اعتماد تركيب العدادات الذكية، وتسريع تنفيذ مشاريع إنتاج الطاقة المستدامة من المراوح الهوائية العملاقة في عكار (من 60 إلى 80 ميغاوات من الحقل)، وتوسيع الاستفادة من حقول الألواح الشمسية ذات الأكلاف المنخفضة خصوصاً في الصين (يمكن إنتاج 100 إلى 200 ميغاوات منها في البقاع خلال سنتين).
وعلى المستوى التخطيطي وفي علاقتنا مع الجهات المانحة، يرى اسكندر أنّ التوجّه العام خاطىء كلياً، لأنّ الدول الحديثة باتت تصبو إلى إنتاج الطاقة المستدامة، الخالية من حرق نفط أو غاز. يقول اسكندر إنّ مجلة “ذا إيكونوميست” أعطت في عددها الأخير، مثلين مميّزين عن بريطانيا التي تمكّنت من إنتاج 26% من حاجاتها للطاقة من المراوح والألواح الشمسية، وألمانيا التي أنتجت 30% منها خلال شهر أيار الذي امتاز بكثرة الشمس. من اليوم إلى العام 2050 ستكون الطاقة البديلة “مستقبل الطاقة في العالم”. ونحن نملك مساحات ممتازة للألواح الشمسية في البقاع ومواقع مميّزة للمراوح العملاقة في عكار.
يؤكد اسكندر في الختام، أنّ الاقتصاد اللبناني لن يسترجع عافيته إلاّ من خلال “طلب العون من الصين” التي تملك 1600 مليار من احتياطي العملات الأجنبية، “فإذا دفعت الصين 10 أو 15 مليار في لبنان لن تهتزّ”، خصوصاً بعد أزمة كورونا. الصينيون “لا يخافون تسلّط أهل الحكم”، لأنهم “يستلمون تنفيذ المشاريع بأنفسهم ولا يلزّمونها لأحد من السماسرة”. يعود اسكندر لهذا الغرض، إلى مشروع “طريق الحرير” العملاق الذي بات يُعرف حديثاً باسم “الحزام والطريق” وأطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 بمشاركة نحو 123 دولة من أجل تسريع وصول المنتجات إلى أسواق آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى”.
لكن عوائق ذلك في نظر اسكندر، سياسية كالعادة. لأنّ السلطة في لبنان “ما زالت غير مدركة ماذا تفعل وتصرّ على الشعبوية والبهورات في التصاريح، وكان آخره كلام حسان دياب عن 97% من انجازات الحكومة… وهو كلام معيب”.
عماد الشدياق – أساس ميديا