خطة هندسة الفقر والخراب في لبنان
يريدون للبنان وشعبه أن يحتفي بوضعهم خطة اقتصادية للبؤس والفقر والجوع، كأنه يوم عيد وطني تاريخي.
ودعا رئيس جمهورية الموز والإفلاس “نواب الأمة” إلى قصره، كي يحتفلوا معاً بالخطة التاريخية.
فالرئيس الملهَم المخلّص عقد قرانه على التاريخ مذ ولدته أمه، كمثل من سبقوه ويأتون بعده من الملهَمين والمخلّصين، أولئك الذين يملأون الأرض والتاريخ عدلاً بعدما مُلِآ جوراً وقهراً.
وكيف لشعب الرئيس الملهم أن يحرَدَ في يوم احتفال رئيسه بيوم زفافه السابع والثمانين على التاريخ، وينسى إلهامه وما أغدقه على لبنان وأهله من خيرات وعطاءات، ويبادره بالعقوق والجحود في يوم زفافه السابع والثمانين؟
ألم يبقَ لدى هذا الشعب ذرّة من وفاء ونزاهة وحكمة، ليخذلَ رئيسه مثل هذا الخذلان الوضيع؟!
تباً، قد يقول الرئيس لموظفه المطيع الذي صنع منه رئيساً ملهماً مثله. وقد يجيبه موظفُه المطيع: لا يهمّنّك شيء يا سيادة الرئيس، غداً يتفجر النفط والغاز في بحر لبنان، فاحْرِم أولئك الجاحدين من خيراته، ووزعها بالعدل والقسطاس على محبيك ومريدك، فهم شعبك المختار المؤمن بأنك المخلص الوحيد.
ألم يكن أجدر بالرئيس أن يقيم سرادق لتقبل العزاء في هذا اليوم التاريخي الذي وُضعت فيه خطة اقتصادية للفاقة والجوع اللذين يلوحان في أفق فئات واسعة من أهل لبنان؟
وتلوح الهجرة التي صارت مستحيلة تقريباً، أفقاً وحيداً لفئات أخرى شابة لا تفهم لغة الأنبياء والمخلصين، أو لا تعرف كيف تؤمن بهم، وتفضِّل اليأس على مثل هذا الإيمان، وعلى الانبطاح والسجود والتسبيح في حضرة الرؤساء والقادة والزعماء وأبطال التاريخ الملهمين.
وهم كثيرون في لبنان. فلا تخلو منهم مدينة وبلدة وقرية في الديار اللبنانية المشؤومة، والمصابة فئات ليست قليلة من أهلها بنوعٍ من داء المازوشية، أو “العبودية الإرادية”.
فكثرة أصحاب المجد والأبطال التاريخيين وورثتهم من أبنائهم وأحفادهم في الدساكر اللبنانية، طبقت الآفاق وأعمت الأبصار، وجعلت أهل “العبودية الإرادية”، الراقصين أو المشرعين قبضاتهم في الهواء في أعراس قادتهم، يشبهون أرتال جرادٍ كالتي تقول الكتب المدرسية إنها ملأت سماء لبنان وحجبت شمسه في أيام الحرب العالمية الاولى
وبماذا تبشّر الخطة الاقتصادية التاريخية العصماء أهل لبنان المرهقين، البائسين والقانطين؟
أبغير البؤس ومضاعفة اليأس، بعد الذي كان وجرى، وصار مضرب الأمثال في ديار كثيرة؟
خطة اقتصادية لإدارة اليأس والبؤس.
للقول لمن لا تصله خيرات “العبودية الإرادية”، ويخرج إلى الشارع شاهراً يأسه وبؤسه: هيا اختفِ، أنت جاحدٌ أو مدسوس.
خطة لهندسة الهباء والخراب.
لاقتسام ما تبقى من “فلس الأرملة”. أي لبنان الذي صار لقيطاً مجذوماً يهرب العالم من استحالة شفائه. من هندسات نهبه أو “تناهُبِهِ” (أحمد بيضون) حتى بعد إفلاسه الذي يتخذه جنرال الخديعة الخلاصية، مع وكيل سيد العصر والزمان، دليلاً قاطعاً على صحة نبوءتهما في حروب التناهب ضد قدامى المتناهبين
ربما علينا أن نتذكّر إن نفعت الذكرى: كان معظم المتناهبين تجار حروب أو وكلاء حروب. وأوغلوا في الحروب والدم. ولم يكفوا عن احترابهم إلا مرغمين ومكللين بمجد الدم والانتصارات.
وها هم يتصايحون، ويُسمعون العالمَ تصايحهم، علّ العالم ينجِدَهم ويسدِّد خطاهم على طريق التناهب الذي حولوه، مثلما حولوا الحروب من قبل، عقيدة ونظاماً سياسيين، وطنيين وشعبيين. وسبقوا العالم كله في الشعبوية.
هنيئاً للبنان وشعبه بيوم خطته الاقتصادية التاريخي، للبؤس والخراب والجوع.
هنيئاً لهم، لقد صار لديهم خطة تاريخية يحسدهم عليها العالم، وقد يسرقها منهم ويتخذها نموذجاً يحتذى للخلاص من انهياره الاقتصادي في زمن الوباء المستجد.
فكيف لا، والعالم سرق من وزير الصحة ووزير الداخلية خططهما الرائدة في مجابهة الوباء؟
المجد والخلود لخطة هندسة الفقر والخراب في لبنان.
المصدر : المدن – محمد أبي سمرا