تحت المجهر

إسرائيل تنقذ مقاتلي حزب الله لتفادي الحرب

بقلم بن هوبارد ورونين بيرجمان – ترجمة صوفي شماس
22 أبريل 2020

عندما انفجر الصاروخ بالقرب من سيارة جيب الشيروكي السوداء، قفز ثلاثة من عناصر حزب الله وركضوا كي يحتموا. بعد ذلك بوقت قصير، بدوا وكأنهم يعرفون أن لديهم متسعاً من الوقت، فعادوا وأخذوا حقائبهم وانطلقوا بعيداً عن المكان قبل أن يدمر صاروخ ثان سيارة الدفع الرباعي.

لم يقتل أو يجرح أحد في هذا الهجوم الذي شنّته إسرائيل على عناصر حزب الله في سوريا الأسبوع الماضي، لكن كان هذا المقصد. فبحسب عدد من المسؤولين الإسرائيليين والشرق أوسطيين الحاليين والسابقين، تبنّت إسرائيل سياسة تحذير عناصر حزب الله في سوريا قبل قصف قوافلهم لتجنب قتلهم والمجازفة بحرب مدمّرة في لبنان.

كشف الهجوم، الذي تم تصويره على شريط فيديو، عن معلومات جديدة في قواعد الاشتباك غير الرسمية بين إسرائيل وحزب الله، في الوقت الذي يستعد فيه كلا الجانبين لما يمكن أن يكون الحرب الكبرى التالية في حين يحاولان أن يتجنّبا شنّها. فسياسة إسرائيل لإطلاق التحذيرات قبل الهجوم في سوريا تعكس خوفها من إشراك ترسانة الصواريخ الضخمة لحزب الله حتى عندما تحاول رسم خط أحمر لمنع حزب الله من الحصول على صواريخ موجهة بدقة وتطويرها، وهو أمر تعتبره تهديداً استراتيجياً لأمنها.

امتد الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل وحزب الله، والذي تدعمه إيران ويلتزم بتدمير الدولة اليهودية، عبر منطقة أوسع من الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، حيث كثف حزب الله تدخله في سوريا والعراق وأماكن أخرى، واستمرت إسرائيل في مطاردته.

بينما لم تتردد إسرائيل في قتل الإيرانيين في سوريا، امتنعت إلى حد كبير عن قتل أعضاء في حزب الله. فقد قال مسؤول من التحالف الإقليمي المؤيد لإيران إن عناصر حزب الله في سوريا تلقوا مكالمات هاتفية مفاجئة من المسؤولين الإسرائيليين تحذرهم من إخلاء قواعدهم قبل قصفهم. وقال مسؤول استخبارات إن أول صاروخ أطلق على السيارة الرباعية الدفع لحزب الله الأسبوع الماضي كان خطأ متعمّداً، وهي طلقة تحذيرية تهدف إلى إجبار العناصر على الفرار حتى يمكن تدمير معداتهم. لكن الخطة فشلت لأن الرجال استعادوا حقائبهم قبل أن يصيب صاروخ ثان السيارة. لكن المسؤول الكبير في المخابرات الشرق أوسطية قال إن الفكرة هي إبلاغ حزب الله بأنه “يمكننا رؤيتك حتى لو لم نقتلك”.

من جهة أخرى امتنع حزب الله، على الرغم من خطابه الساخن عن تدمير الدولة اليهودية، عن قتل الإسرائيليين في السنوات الأخيرة، ويبدو أنه يخشى أيضاً من حرب يمكن أن تدمّر معظم لبنان.

بعد يومين من الهجوم على السيارة الرباعية الدفع في سوريا، اتهمت إسرائيل حزب الله بإحداث ثغرات في السياج على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية وتعليق ملصقات لزعمائها ولقاسم سليماني، الجنرال الإيراني القوي الذي دعم حزب الله والذي قتل في هجوم بطائرة أميركية من دون طيّار في كانون الثاني.

وقد أفاد العميد المتقاعد في الجيش اللبناني المقرّب من حزب الله، أمين حطيط، أن هذه المبادرة هي طريقة حزب الله لإرسال رسالة غير قاتلة إلى إسرائيل، مفادها أن عناصره يستطيعون عبور الحدود إن أرادوا. وأضاف حطيط أنه بما أن الضربة الإسرائيلية لم تسفر عن مقتل أحد، فإن “رد حزب الله جاء دون وقوع إصابات”.

هذه هي الحرب الجديدة، وسيكون هناك استهداف دقيق للأفراد والنشطاء الرئيسيين لما تعتبره إسرائيل تهديداً وجودياً لأمنها، وهو صواريخ حزب الله الموجهة بدقة” لكن أسلوب الطلقات التحذيرية والجهود المبذولة لضرب المعدات بدلاً من الناس قد تعتمده إسرائيل في الوقت الحالي فقط. فإن كان مشروع الصواريخ الموجّهة بدقة يسير بالمعدل الذي يقول عنه الإسرائيليون، فسيبدؤون في النهاية بقتل هؤلاء الأشخاص.

يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله لديه ترسانة من أكثر من مئة ألف صاروخ وقذيفة يمكن أن تصل إلى جميع أنحاء الدولة اليهودية، ويقول المسؤولون إن نظام الدفاع الصاروخي للقبّة الحديدية الإسرائيلية لن يكون قادراً على إسقاط مجموعة كبيرة من الصواريخ التي يتم إطلاقها في وقت واحد، ويعتمد دفاع إسرائيل جزئياً على واقع أن الصواريخ ليست دقيقة للغاية. لكن إسرائيل تؤكد أن حزب الله يحاول بناء صواريخ موجّهة يمكن أن تستهدف المنشآت الرئيسية مثل القواعد العسكرية، والمباني الحكومية أو محطات الطاقة، وسيكون من شبه المستحيل وقفها، لذا شنّت إسرائيل العديد من الغارات الجوية في سوريا على ما قالت إنها قوافل أسلحة متجهة إلى حزب الله لترسل رسالة واضحة مفادها أنها لن تقبل بوجود أسطول من الصواريخ الذكية على حدودها.

وفي هذا السياق، أرسلت إسرائيل في آب الماضي طائرة مسيرة مفخخة إلى قلب حي يسيطر عليه حزب الله في بيروت لتدمير ما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنه آلة حيوية لجهود إنتاج الصواريخ الدقيقة. وقال مسؤول شرق أوسطي إنه من أجل تجنب قتل عناصر حزب الله، أرسلت إسرائيل طائرتها قبل الفجر وكان المكان خالياً من عناصر حزب الله.

إن أسلوب التحذير هذا هو امتداد لإحدى الطرق التي ابتدعتها إسرائيل في غزة. فعندما كان يريد الجيش الإسرائيلي تدمير مخابئ أسلحة مخبأة في منزل مدني، كان يسقط متفجرات غير متفجرة أو خفيفة على السطح لتنبيه السكان للمغادرة قبل قصف المبنى. يُعرف هذا التكتيك بـ”الطَرق على السطح”.

مع دخول حزب الله إلى سوريا، أولاً لتعزيز قوات الرئيس بشار الأسد ضد المتمردين وبعد ذلك لتوسيع الجهاز العسكري للحزب الموجه إلى إسرائيل، بدأت إسرائيل باستخدام هذه التقنية هناك أيضاً، وعند تطبيقها على المركبات، مثل غارة الطائرات بدون طيار في الأسبوع الماضي، يطلق عليها اسم “الطَرق على ممتص الصدمات”.

كان الجيب الشيروكي بدون لوحات التي تمت مهاجمته الأسبوع الماضي يعبر من لبنان إلى سوريا، على الرغم من إغلاق الحدود بسبب فيروس كورونا، وكان المسؤول الكبير في حزب الله، عماد كريمي، في السيارة، وهو يعمل مع وحدة تابعة لحزب الله مسؤولة عن تهريب أسلحة متطورة. ويظهر فيديو مراقبة السيارة الرباعية الدفع أنه توقف على الطريق السريع بعد الضربة الصاروخية الأولى، وفرّ الركاب الثلاثة، بمن فيهم عماد كريمي من السيارة تاركين أبوابها مفتوحة، ولكنهم عادوا بعد ذلك وأفرغوا عدداً من أكياس القماش الخشن وحقائب الظهر قبل إغلاق الأبواب والابتعاد مرة أخرى، وبعد لحظات، سقط الصاروخ الثاني وانفجرت السيارة وسط سحابة من الدخان.

لم يعلّق حزب الله على الهجوم، بينما تسبّب هذا التكتيك في حدوث تصدّع في العلاقة بين القيادة العسكرية الإسرائيلية وجهاز التجسس الموساد. فالضباط العسكريون يعتقدون أن تحذير ميليشيات حزب الله أثناء تدمير معداتهم يخلق توازن ردع ويتجنب دوامة الحرب، والالتزام بهذه القواعد غير المكتوبة سمح لهم بضرب حزب الله مراراً وتكراراً، إلى جانب الحرب ضد أهداف أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، دون الانجرار إلى حرب شاملة.

لكن رئيس الموساد، يوسي كوهين، يشك في أن حزب الله وإيران وحلفائهم يمكنهم أن يشكلوا تهديداً عسكرياً كبيراً لإسرائيل ويشدد على أنه لا ينبغي على إسرائيل إقامة توازن ردع مع الميليشيات التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية. ويجب أن يتم قتل الإرهابيين على أساس الاحتياجات التشغيلية، لا أن يسلموا بسبب الخوف من الرد. فالرسالة الوحيدة التي يتوجب إرسالها إلى زعيم حزب الله، حسن نصر الله هي، “عليه ألا يجرّبنا. فلا فرق في ما يطلقه على إسرائيل – صواريخ غراد طويلة المدى، أو صواريخ M-600 أو أي شيء آخر – في اللحظة التي يحدث فيها ذلك، سيتم محوه هو ومنظمته بالكامل”.

حتى الآن، كان خيار الجيش هو الغالب، على الرغم من أن إسرائيل قتلت عنصرين من حزب الله في آب الماضي في هجوم قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه منع الإطلاق الوشيك لـ”طائرات بدون طيار قاتلة” من سوريا باتجاه إسرائيل.

قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا في السنوات الأخيرة مئات الإيرانيين والسوريين والميليشيات المدعومة من إيران من العراق وأماكن أخرى. لكن هذه الضربات لم تستهدف سوى 16 عنصر من حزب الله منذ العام 2013 ، وفق ما أفاد به مسؤول في المحور السوري المؤيد لإيران في المنطقة.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button