السنيورة: كلنا مسؤولون.. وعون ورعاته يصفّون لبنان
منير الربيع – المدن
يعود الرئيس فؤاد السنيورة إلى أوراقه القديمة: مواقف في مجلس النواب، مشاريع وفذلكات موازنات، قدمها يوم كان وزيراً للمالية ورئيساً للحكومة، مستعيداً تحذيراته من الوضع الذي كان سيصل إليه لبنان، إذا لم يتوقف الهدر والإنفاق من دون تأمين واردات.
الطريق إلى النهاية
الانهيار الذي وصل إليه لبنان اليوم صنعته السياسة. والسنيورة يحمّل المسؤولية للحكومات المتعاقبة، لسياسات الدولة بمجملها، لمجلس النواب بالتأكيد، لمصرف لبنان في شخص حاكمه ومجلسه المركزي، وللمصارف طبعاً.
الدولة بكاملها مسؤولة عن هذا الانهيار الكبير.
والإجراءات التي تُبحث اليوم – وفق السنيورة – تؤدي إلى مزيد من الغرق والانهيار. وهو يرفض تدفيع مودعي المصارف ثمن الإفلاس العام. ليس ذنبهم أنهم وضعوا أموالهم في المصارف التي يتوجب عليها حماية ودائعهم. هذا دورها وعملها وأصل وجودها.
لكن الخسارة وقعت، حسب السنيورة. والجميع اليوم يبحث عن كيفية توزيع هذه الخسائر بتقاذف المسؤوليات، بدلاً من البحث عن الحلول والخروج من منطق المزايدة السياسية. فيما الوضع يحتاج إلى رؤية جديدة وتغيير جذري في آلية التفكير، وإلا فلبنان في طريقه السالكة إلى نهايته، بنظامه ونموذجه السياسي والاقتصادي.
تصفية لبنان
يأسف السنيورة للمقاربات المالية التي تضع لبنان على طاولة تصفية الحسابات الإقليمية، وتدخله في محاور تقضي على كيانه ووجوده. في نظر السنيورة، المقاربات المطروحة خاطئة، وغايتها صرف الانتباه عن المشكلات الأساسية التي يعاني منها اللبنانيون، إلى الاشتباك حول من يتحمل المسؤولية.
في عالم المال والأعمال يجب النظر وفق طريقتين، بحسبه: الأولى هي “التصفية”، والثانية هي “الاستمرارية” حيث تستحيل التصفية.
وفي لبنان لا بد من إعادة الهيكلة والتنظيم، وليس التصفية، حسبما يقترح البعض لجهة بيع أملاك الدولة أو تسييلها. أما ما يفعله أركان الحكم، فيبدو كأنهم يريدون الذهاب أبعد: تصفية لبنان. وما يجري منافٍ القوانين وللعدالة. فلا يجب تحميل المودعين هذه الخسارات.
سنوات الانتقام العوني
الحكومات هي التي تتحمل المسؤولية، والمجلس النيابي، ويضيف السنيورة: “كنا نحذر دوماً الحكومات والمجلس النيابي بما فيها حكومتي، حول الآثار السلبية التي تترتب على لبنان نتيجة الاستمرار المفرط في الإنفاق غير الواقعي ولا الواعي، وفي عدم ضبط العجز والدين العام. ولا أريد إعفاء الحكومات التي كنت فيها وزيراً للمالية، من المسؤوليات، ولا أعفي الحكومة التي ترأستها، ولا الحكومات التي تلت، من المسؤوليات نفسها. ولكن لا يمكن أيضاً التغاضي عن الإنفاق المتضخم الذي أقره مجلس النواب حين وافق على الموازنات الحكومية كلها. ومسؤولية المجلس النيابي هنا كبيرة جداً”.
يعود السنيورة بالذاكرة إلى سنة 2006 و2007 و2008، عندما أرسل موازنات إلى مجلس النواب، ورفض المجلس استلامها بذريعة “الحكومة البتراء”. وسنة 2009 استلم المجلس الموازنة، ولم يناقشها. بعد ذلك جاءت قصة الحسابات الافتتاحية للعام 1993. وهي ليست سوى الانتقام العوني من الحريرية السياسية. فأدخلت المالية العامة في السياسة التي يدفع اللبنانيون ثمنها اليوم.
يشير إلى أن توقف قطع الحسابات في لبنان، بدأ العام 1979. و”نحن جئنا إلى الحكم بعد 14 سنة، أي سنة 1993، من دون قطع حسابات، فضبطناها وبدأنا بالعمل، وأجرينا قطع حسابات من 1993 حتى سنة 2003، وأقرها كلها مجلس النواب”.
وتوقف إقرار الموازنات من العام 2006 إلى العام 2016، بسبب التذرع بشرط معرفة ما حصل بقطع الحساب. هنا ارتكب هؤلاء ما ارتكبوه بحق أنفسهم، كمن يجدع أنفه كي يغيظ جاره.
كانوا – بحسبه – يريدون الاقتصاص من رفيق الحريري، فشنقوا أنفسهم. رئيس الجمهورية الآن غير قادر على التوقيع على موازنة 2020. أغرقوا أنفسهم بأمور وهمية ومخترعة، وأغرقوا البلد فيها. وندفع اليوم جزءاً من ثمنها. ونتيجة ذلك تفلّتت المالية العامة، وكنا فقط نفتح ونضيف اعتمادات إضافية.
تجربة فرنسوا باسيل
مصرف لبنان ومجلسه المركزي يتحملون أيضاً المسؤولية. كل الصلاحيات والامتيازات مُنحت لحاكم مصرف لبنان كي يواجه الدولة، ويقول لها أنا لا أريد أن أديّنك. كان يُفترض بحاكم مصرف لبنان الامتناع عن الاستمرار في إدانة الدولة. وهذا ما ينطبق على المصارف التي خالفت قاعدة أساسية في العمل المصرفي: عدم وضع بيضها كله في سلة واحدة، ولو كانت الدولة هي هذه السلة.
حصلت تجربة جديرة بالذكر في عهد رئيس جمعية المصارف السابق فرنسوا باسيل: امتنع عن الاستمرار بهذه السياسة الخاطئة. ففي العام 2014، قررت اللجان النيابية رفع الفوائد من 5 إلى 7 في المئة. وتحدث فرنسوا باسيل عن سرقة المال العام، ورفضه الاستمرار بسياسة تسليف الدولة. يومها نشبت معركة كبرى ضده، واستدعي إلى القضاء، في محاولة للضغط عليه وإلزامه تنفيذ تلك السياسات.
الحاجة إلى طاقم جديد
يخلص السنيورة إلى أن النهج المالي الذي أراد الفريق العوني وحزب الله إرساءه يتعارض كلياً مع السياسة المالية العامة للدول. وذلك بدوافع الأحقاد والضغائن، والسعي إلى الانتقام السياسي. وكانت النتيجة التي نراها اليوم. وهذا كله علينا أن نضيف إليه اجتياحات إسرائيلية خمسة، وحروب وأزمات داخلية، ومعارك تمديد وتجديد وتعطيل.
وهو يشدد على أنه لا يمكن تحميل المسؤولية للمودعين، وحماية المرتكبين. المشكلة أو المأساة هذه، لا يمكن حلها بهذه الطريقة.
لا أحد يتحدث عن استمرار البلد الذي لا يستمر إلا بتحريك الاقتصاد. كل ما يطرح اليوم، وصولاً الى طرح بيع موجودات الدولة، يؤدي إلى مزيد من الانهيار. وما يحكى عن تصفية البلد، وتغيير نمط الاقتصاد، واللعب بالعيش المشترك والتقسيم، يؤدي إلى مزيد من الحفر في الجورة. ويختصر السنيورة الأزمة ومن يدّعي العمل على معالجتها، على النحو التالي: هذا الغطاء ليس لهذه الطنجرة. وبمعنى أوضح: لا يمكن للفريق الحاكم اليوم أن يعمل لحل الأزمة الاقتصادية وإنقاذ لبنان. البلد يحتاج إلى طاقم جديد يعمل وفق آلية تفكير جديدة.
في ما يخص استرجاع الأموال المنهوبة، هناك آلية يجب اتباعها، بحسب السنيورة: هناك إجراءات على لبنان اتباعها. أولها تبادل المعلومات. وأن يكون هناك قرار قضائي بالأشخاص أصحاب الحسابات. أي فلس مختلس يجب استعادته ومحاسبة المرتكب أياً يكن. ولكن لا يمكن إيهام اللبنانيين بأن هذه الأموال يمكن استعادتها سريعاً. هذه عملية تحتاج إلى سنوات طويلة.
رفض التسلط على صيدا
ولا تبدو نظرة السنيورة متفاءلة. لبنان وقع في الأسر. هذا ما استشفه في معرض إشارته إلى تواصله مع رئيس الحكومة حسان دياب، عبر وسطاء، تحضيراً لزيارة صيدا، لافتتاح المستشفى التركي.
ويحاول السنيورة التعالي على الخلافات السياسية الضيقة. يرفض ما يحكى عن خلافات داخل البيت الواحد لتيار المستقبل أو الحريريين. تعاطيه مع دياب واستعداده للذهاب معه إلى صيدا، يندرجان في مسألتين: استفادة المدينة من تلك المستشفى التي يُعرقل افتتاحها منذ سنوات عشر. وتصرفه وفق منطق الدولة مع رئيس الحكومة، ومن موقع المعارضة. علماً أنه معارض للحكومة، وهو مع إسقاطها، وهذا لا نقاش فيه.
دخول حزب الله على الخط ،عبر وزير الصحة، هو ما ألغى زيارة دياب إلى صيدا. وذلك بإثارة مشكلتين عشية الزيارة: تغيير الاتفاق حول تشغيل المستشفى. فوزير الصحة طلب أن توقع الوزارة عقد تشغيل المستشفى لخمسين سنة، بينما كان الاتفاق ينص على سنوات عشر. وتعذر على بلدية صيدا اتخاذ القرار في الليلة ذاتها.
والمشكلة الثانية هي الاشتراط بوجوب دعوة ممثل عن حزب الله وممثل عن حركة أمل، وحضور الشيخ ماهر حمود حفل افتتاح المستشفى. لذا رفضت أن أذهب، وأرسلت لرئيس الحكومة بأنني أرفض الذهاب بهذا الشكل، لأنني أرفض تطويع المدينة.