استباقاً لثورة الغضب.. عون يرمي فشل العهد على المعارضة
يستدرج رئيس الجمهورية ميشال عون القوى المعارِضة لعهده كي تتكتل. إذا نجح في ذلك، ينجح في إنقاذ نفسه من مطبات واستحقاقات شعبية تواجهه وتواجه حكومة حسان دياب، التي يعتبرها حكومة عهده الأولى والحقيقية.
عون يختلق الخصوم
فعندما يتكتل بوجه العهد الحزب التقدمي الاشتراكي، والقوات اللبنانية، وتيار المستقبل – إلى جانب بث شائعات بأن الرئيس نبيه بري يساند هذا الثلاثي في معارضة الحكومة – يكون عون قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
يعيش عون، ومعه العونية، وينموان سياسياً على اختلاق الخصوم والأعداء. وهو ينظر إلى لبنان السياسي والشعبي باعتباره حالة من موجات شعبية احتجاجية متتالية. وإذا كانت الجموع ناقمة اليوم على القوى والزعامات السياسية كلها، فإن إلصاق المعارضة بجنبلاط وجعجع والحريري وبرّي، يفيده ويلائمه. فجموع الناقمين يرفضون السير خلف معارضة هؤلاء الأربعة أو الثلاثة الذين يحمِّلهم الناس مسؤولية الانهيار المالي والاقتصادي، باعتبارهم من أركان الحكم منذ ثلاثين سنة.
معارضة وهمية!
يحضّر عون لهذه المعادلة منذ أيام ثورة 17 تشرين 2019. وذلك باختراقها بمجموعات متعددة، إلى حدّ الإعلان عن أن بعض وجوه الحكومة الحالية جاؤوا من قلب خيم هذه الثورة.
ويختلق عون معارضة افتراضية للعهد، وغير موجودة واقعياً. قد يلتقي أفرقاء هذه المعارضة على نقاط وتوجهات مشتركة، لكنهم غير متفقين على مسار المواجهة السياسية العامة. بيانات القوات اللبنانية توضح ذلك، عندما تعلن عن الاستعداد القواتي للسير بأي معارضة يقترحها جنبلاط والحريري.
وهذا يعني أن المستقبل والاشتراكي غير جاهزين أو غير راغبين في إحياء المعادلة القديمة: تحالف 14 آذار في مواجهة تحالف 8 آذار. فإحياء 14 آذار، وحتى لو رمزياً، يفيد عون استراتيجياً. فهو يعتبر أن الاستقطاب في صالحه، لأن موازين القوى شعبياً وبرلمانياً وحكومياً، تميل لصالح تحالفه مع حزب الله. ويساعده الاستقطاب أيضاً في تجديد شد العصب المسيحي، بمجرد إعلانه أن جنبلاط والحريري يستهدفانه، وبدعم من بري.
زج السفيرة الأميركية
بمجرد بروز مثل هذا التحالف، يحزم حزب الله موقفه إلى جانب عون، لأنه لا يتساهل مع المس بالمعادلة السياسية الداخلية التي يشكل عون ركيزة فيها. فيما يكون نبيه بري في وضع حرج، لأنه من غير الوارد وقوفه في مواجهة حزب الله.
هنا تبرز الغاية العونية الأساسية من إشاعة أجواء تشكل معارضة تقليدية، تسعى لمواجهة “عهد التغيير والإصلاح”. وبناءً على هذه البروباغندا، يعمل عون وفريقه على استمالة الناس والمجموعات الغاضبة والمنتفضة. وللنجاح في هذا التحشيد، يُبرز دور السفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا التي التقت جنبلاط قبل أيام، والتقت سمير جعجع أمس، ربطاً بلقاء جعجع بوفد من الاشتراكي، تزامناً مع عودة الحريري. والعهد في هذه التركيبة الوهمية يطمح بعث الروح في قواعد للعبة السياسية القديمة واصطفافاتها التي تتخطى التظاهرات الشعبية.
المعركة المقبلة
يعلم عون أن عهده والحكومة سيكونان في مواجهة مباشرة مع انتفاضات واسعة، بعد انتهاء أزمة كورونا. وهذا ما لا يريد عون وحكومته أن يتحقق. لذا يبثان في كل مناسبة ويوم وساعة أن الحكومات السابقة هي المسؤولة عن الانهيار الراهن. وذلك لوضع الناس المستائين والغاضبين في مواجهة مع جنبلاط وجعجع والحريري.
وهذا بالضبط، ما عبّر عنه أمس الاثنين جبران باسيل، قائلاً: “..وإذا كانت الدولة أخطأت، فهي أخطأت عبر أشخاص يتحملون المسؤولية، والحل بمحاسبتهم وليس ببيع أملاك الدولة”. ويكمل: “هناك سياسة اقتصادية ومالية منذ ثلاثين سنة أوصلتنا للإنهيار، وهناك هجوم استباقي لمنع التغيير ومنع المس بالفاسدين وهذه تباشير المعركة المقبلة التي يهددون اللبنانيين بها بدل جمع الهمم للانقاذ”.
إذاً، يعيش عون اليوم مجدداً في مرحلة اختراع أعدائه أو خصومه، فيلعب دوره بوصفه المخلص من الشرور والويلات. وهذا ما سيبدأ التيار العوني بتكريسه في الجلسات النيابية ويُؤسس عليه في المعركة المقبلة.
منير الربيع – المدن