تحت المجهر

كيف افسد وزراء التيار العوني قطاع الاتصالات اللبناني؟

أمام وزير الاتصالات اللبناني طلال حواط خيارات محدودة في التعامل مع شركتي النقال اللتين انتهى عقدهما نهاية العام الماضي وجرى تمديده بشكل مخالف للقانون. وتتعدّد التكهنات حول القرار الذي سيتخذه الوزير قريبا وحول صلاحياته إزاء أي تمديد مُحتمل للشركتين، خصوصا وأنه “قليل الكلام” مع الإعلاميين، على الرغم من المراجعات العديدة للحصول على معلومات حول مستقبل القطاع. لكن ما هي الخيارات المطروحة أمامه؟

تقول مصادر مواكبة لملف العقد مع الشركتين لـ “الاقتصاد والأعمال” أن الوزير حواط في موقف لا يُحسد عليه، ولم يحسم الأمور على عكس ما يُشاع. إذ أنه لا يستطيع تجاهل التوصيات والاستشارات القانونية الداعية إلى استعادة الدولة للقطاع والصادرة عن لجنتي الاعلام والاتصالات والإدارة والعدل في مجلس النواب وهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، والذهاب إلى التمديد للشركتين وفق بنود العقد القديم. كما أنه يواجه ضغوطاً كبيرة من المستفيدين من الوضع القائم حالياً، علماً ان الظروف التي يمرّ فيها لبنان حالياً، لم تعد تسمح بأنصاف الحلول. 

القرارات تحتاج رؤية وجرأة 

لقد قيل الكثير عن فساد وسوء إدارة قطاع الهاتف النقال في لبنان، وفُتحت الملفات على مصراعيها منذ انتفاضة اللبنانيين في 17 أكتوبر. أُجريت تحقيقات، ومراجعات للنتائج المالية وللصفقات والتلزيمات ولم يبق من طرف معني أم غير معني، إلا وأدلى بدلوه في هذا القطاع. لكن كل هذا “الصراخ” في الإعلام والشوارع ضد الفاسدين لم يعد مهما، المهم حاليا أن القطاع أمام فرصة ذهبية مع انتهاء عقدي الشركتين. وثمة من يجب أن يتخذ قرارا حاسما، يكون جزءا من رؤية اقتصادية متكاملة تشمل الاتصالات كما الكهرباء وباقي الملفات الأساسية، لا الذهاب إلى الترقيع والهروب إلى الأمام.    

لكن ما هي الخيارات المتوفرة أمام الوزير حواط اليوم؟ عمليا أمامه ثلاثة خيارات، إما إيكال مهمة إدارة الشركتين إلى لجنة من وزارة الاتصالات كون العقد قد انتهى و”استرجاع” هذا القطاع الذي تسيطر عليه الدولة أصلا أو إطلاق مناقصة دولية لاستدراج عروض تقنية ومالية لإدارة الشبكتين، وفي هذه الحالة قد لا يتم تأهيل “أوراسكوم” لأنها لم تعد ناشطة في قطاع الاتصالات. والخيار الثالث المُستبعد هو بيع الشبكتين لشركة اتصالات عالمية لقاء ما بين 6 و8 مليارات دولار (تقديرات نهاية 2019). لكن الظروف الاقتصادية في لبنان غير مؤاتية حاليا لجذب الشركات العالمية، نظرا لحالة الاضطراب الاقتصادية العالمية والفوضى التي تعيشها الأسواق نتيجة انتشار وباء كورونا. وتاليا، قد لا يكون بالإمكان المضي في هكذا خيار قبل نهاية العام الحالي. وفي كل الأحوال يُجمع خبراء في القانون أن الخيارات الثلاثة، تتطلّب تكليفا من مجلس الوزراء لوزير الاتصالات.     

صحيح أن ثمة خيارات قليلة أمام الوزير، لكن الأكيد أيضا أن شروط العقد الحالية لا يمكن أن تستمر. لذلك من المنطقي القول إن أي خطوة ستقوم بها الوزارة يجب أن تتعامل بجرأة مع مسألتين: الأولى هي خفض تكاليف إدارة الشركتين في حال بقائهما، والثانية هي وضع نظام شفاف وواضح للإنفاق الاستثماري والتشغيلي، سواء بقي قرار الإنفاق مع الوزارة أم تمت إعادته للشركتين. بالإضافة إلى الالتفات لنتائج التقارير والدراسات التي خلصت إلى ضرورة أخذ الوزارة النقاط التالية بعين الاعتبار: 

•توحيد الشبكتين التابعتين أصلا للدولة وتقاسم البنية التحتية ومباني الإدارة لتخفيض التكلفة الاستثمارية والتشغيلية

•تقاسم البنية التحتية بين الشبكتين وشبكة أوجيرو لتغطية المناطق المحرومة من خدمات الانترنت

•توحيد الأسعار، فما معنى أن تتنافس شركتان تابعتان للدولة؟

•اعتماد المناقصات العلنية والمفتوحة

•معالجة انتفاخ عدد الموظفين، الذي يقدره الوزير محمد شقير بنحو ألف موظف (من أصل 2100 موظف)

•تفعيل العمل الرقابي وأنظمة المحاسبة من خلال هيئة المالكين أو إلغائها واستبدالها بهيئة فعاّلة

•خفض الأسعار وتعزيز الخدمات وفتح الباب أمام الشركات اللبنانية التي تملك حلولا وابتكارات

•الاستعداد لمرحلة شبكات انترنت الأشياء التي بدأت بالانتشار عالميا

•تعيين أعضاء الهيئة الناظمة للاتصالات وإطلاق شركة “ليبان تيليكوم”

•تعيين شركة تدقيق بنشاط شركتي الخلوي في السنوات العشرة الأخيرة للتحقيق في التجاوزات

•التحضير لإنشاء مركز داتا الاتصالات، لتمكين لبنان من تحقيق التحوّل الرقمي في القطاع العام

كيف “ضاعت الطاسة”؟

تجمع المصادر أن شبهات الهدر والفساد في قطاع الاتصالات، تتركّز في الاتفاق الاستثماري بالدرجة الأولى. هذا النوع من الإنفاق هو الذي تقوم به الشركات لتطوير قدرات الشبكات وترقية أنظمتها. وقد ارتفع هذا الانفاق بشكل كبير عام 2012 عندما نقل وزير الاتصالات الأسبق نقولا صحناوي قرار النفقات الاستثمارية والتشغيلية من الشركتين إلى وزارة الاتصالات. وهو الأمر الذي تسبب بارتفاع التكاليف وانخفاض ربحية الدولة من القطاع. وللتغطية على هذا الانخفاض جرت محاولة “جريئة”، تمثّلت بتحميل المشتركين الثمن. إذ تم رفع أسعار الخدمات بشكل كبير للمحافظة على مستويات ربحية معقولة للدولة. وباتت أسعار الخدمات في لبنان من بين الأعلى في العالم، ووصل متوسط “معدل الايراد من كل مشترك” ARPU في لبنان إلى 28.4 دولارا، وهذا واحد من أعلى المعدلات في العالم (المعدل في الأردن 6.5 دولار). وواحدة من المحاولات اليائسة لرفع الإيرادات حصلت في أكتوبر من عام 2019 عندما اقترح الوزير شقير وضع رسم على استخدام الواتساب. كان من الممكن أن يحقق هذا الرسم الذي يعادل 6 دولارات شهريا، نحو 250 مليون دولار سنويا، لكنه كان السبب المباشر باندلاع ثورة 17 أكتوبر.       

 إياد ديراني – مجلة الاقتصاد والأعمال
بتصرف

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button