تحت المجهر

مع تفشي “كورونا”… الاقتصاد اللبناني يتلقى مزيدا من الضربات

مع استمرار تفشي “كورونا” في الجسم الصحي اللبناني، يستمر الجسم الاقتصادي بتلقي الضربات تلو الضربات، في ظل الهشاشة والضعف اللّذين يعاني منهما منذ أشهر طويلة. وإذا كان الانشغال الرسمي يتركز على الإجراءات المطلوبة لمنع انتشار المرض أكثر، وسط إمكانات ضعيفة إن على المستوى الاستشفائي أو على المستوى الإداري، فإنّ الهمّ الاقتصادي يبقى الشغل الشاغل لمجتمع الأعمال الذي دخل في مرحلة من الركود، تدفع أصحاب المؤسسات ولا سيما التجارية والسياحية والخدماتية إلى القلق حيال مستقبل الأعمال في لبنان، في ما لو طالت الأزمة الصحية، المعطوفة أساساً على أزمة اقتصادية ومالية حادة.

تكثيف الطاقات الإنتاجية

فالقطاعات الصناعية الإنتاجية، وعلى الرغم من عبء الأزمة عليها، منشغلة الآن في تكثيف طاقاتها الإنتاجية مع تراجع حركة الاستيراد، وعودة اللبنانيين إلى الاعتماد على منتجهم الوطني، ولكن ماذا عن القطاعات الأخرى التي ضُربت في الصميم، مثل القطاع السياحي الذي يقدّر القيّمون عليه حجم خسائرهم بحوالى 700 مليون دولار في الأشهر الأولى من السنة الحالية، مقابل خسائر مماثلة في العام الماضي، ما يرفع حجم الخسائر إلى 1,4 مليار دولار.

وبحسب توصيف أحد التجار، فإنّ الوضع الراهن يستند إلى معادلة لا بيع ولا شراء ولا دفع ولا قبض ولا مخزون، بل شحّ سيولة وعملة أجنبية وأزمة تحويلات وسحوبات، لا يمكن أن تفضي إلاّ إلى إقفال مؤسسات وتسريح موظفين أو على الأقل اقتطاع في الرواتب وتخلّف عن التمويل للموردين وفقدان ثقة بالتجار وبمؤسساتهم وعجز عن سداد الضرائب.

لا أرقام نهائية بعد تُحصي عدد التسريح أو الإقفال في المؤسسات أو في الخسائر المترتبة بفعل الحجر الذي يمارسه أصحاب الأعمال، ولكن الأكيد أن الخسائر لا تقل عن خسائر القطاع السياحي، وتقدّر بمئات ملايين الدولارات.

إدارة الأزمة صعب

مدير شركة “ECE” الاستشارية سمير نصر قال لـ “اندبندنت عربية” إنّ إدارة الأزمة ستكون صعبة جداً، لأنها تأتي بعد جولات عدّة من التراجع الذي كان يشهده الاقتصاد اللبناني منذ عام 2019، على صعيدَيْ القطاعين العام والخاص. فتراجع الأداء الاقتصادي لم يبدأ عام 2020، بل هو بدأ منذ عام 2019، وجاءت انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، لتعزّز التراجع والشلل في مختلف القطاعات الاقتصادية، حيث سُجل إقفال عدد كبير جداً من المؤسسات التجارية والصناعية والسياحية، وصُرف عددٌ كبيرٌ من العمال والموظفين. وقد جاءت أزمة تفشي فيروس كورونا لتزيد الوضع تفاقماً.

وقدّر نصر أن تؤدي الأزمة الراهنة، معطوفة على الوتيرة التراجعية، إلى تراجع في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ثلاثة في المئة في 2020، مشيراً إلى أنه كان تراجع بنسبة أربعة في المئة عام 2019، ما يرفع نسبة التراجع إلى سبعة في المئة بين عامي 2019 و2020. وقال إن عام 2018 كان عاماً سيئاً إذا اعتمدناه كعام أساس. وعليه، يكون الناتج قد تراجع من حوالى 53 مليار دولار عام 2018 إلى ما بين 44 و46 ملياراً عام 2020.

تعميم حاكم مصرف لبنان

ويتوقف نصر عند التعميم الذي أصدره حاكم المصرف المركزي رياض سلامة والذي يلحظ تقديم قروض بفوائد صفر لمساعدة المؤسسات المتعثرة، ليقول إنّ هذا التعميم مهم وضروري ويساعد، ولكنه لا يحلّ المشكلة، ولا يشكّل مخرجاً، بل هو بمثابة حل مؤقت وانتقالي، في انتظار التوصل إلى حلول جذرية تساعد الاقتصاد في التعافي وفي الخروج من حال الركود الذي يعاني منها.

ولا يخفي نصر قلقه من الارتفاع المضطرد في نسبة التضخم التي قاربت 15 في المئة، مبدياً تخوّفه من الارتفاع المستمر للأسعار مقابل تراجع القدرات الشرائية للمواطنين في ظل تراجع سعر الصرف. ويلفت إلى أن تراجع أسعار النفط العالمي، كان يفترض أن يساعد الخزينة في تحقيق بعض المداخيل، بعدما قررت الحكومة تثبيت سعر البنزين، ولكن تراجع الاستهلاك في ظل الحجر المنزلي وتوقف المؤسسات عن العمل، أدّيا الى تراجع الإيرادات المرتقبة.

ويخلص نصر إلى القول إنه مع الأسف، لا شيء يسير في الاتجاه الصحيح. حتى الأسواق العالمية في حالة تراجع، ما يحجب عن لبنان القدرة على الخروج إلى تلك الأسواق وطلب المساعدة. فسلّم الأولويات اختلف داخلياً وخارجياً، وبات لبنان في أسفله.

تداخل الاقتصادي بالصحي يدفع نحو الانهيار

وكانت الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز رأت أن مجتمع الأعمال يواجه في خضم الأزمتين الاقتصادية والصحية، خيارات صعبة ومعالجات أصعب، نتيجة تداخل الأزمتين ما انعكس تراجعاً حاداً، وصولاً إلى شبه الانهيار في بعض القطاعات، في الطلب الإجمالي كما في العرض (الإنتاج والاستيراد)، كما أن تزامن أزمتَيْ العرض والطلب ظاهرة اقتصادية تُنذر بصعوبة التعافي خلال فترة زمنية قصيرة. ورأت أن زوال الأزمة الصحية خلال الفترة المقبلة، سيضع مؤسسات الأعمال مجدداً أمام الأزمة الاقتصادية المستمرة، مشيرةً إلى أنّ استعادة زخم الطلب يكون بتخفيض النسب الضريبية التي تطال إنفاق الأسَر، كالضريبة على القيمة المضافة والضريبة المباشرة على الأجور والمداخيل المتدنية. وهذه الإيرادات هي عامة يمكن التعويض عنها بمصادر إيرادات عبر تجفيف مصادر الهدر.

ورأت ألاّ حل آنياً لمسألة التعليق القسري أو الإرادي المؤقت للأعمال جراء الطارئ الصحي، مقترحةً إقراراً فورياً لإعفاءات ضريبية جذرية تطال الضرائب والرسوم كافة، بما فيها تخفيضات جمركية، وعلى مدى سنتي 2020 و2021 لمؤسسات الأعمال، كتحفيز للشركات، لا سيما التي لم تخفّض معاشات ولم تسرّح موظفين.

وفي رأي الجمعية، لن تتعافى القطاعات الإنتاجية من ضعف الطلب إلاّ باستعادة نظام المدفوعات، بشَّقَيْه الداخلي والخارجي، وبالقدر الضروري من الانتظام والفاعلية والصدقية، فضلاً عن فرض تخفيض جذري على فوائد القروض المصرفية المتوجبة على مؤسسات الأعمال. فالمصارف معنية أيضاً بإنقاذ الاقتصاد الوطني.

“اندبندنت عربية”

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button