إطلاق سراح العميل الفاخوري وهذيانات “الحزب” و”التيار”
كما حصل يوم خرج العميل فايز كرم معززاً مكرّماً من السجن، على الحزب والتيار ومعهما “حركة أمل” أن يتصافحوا كالإخوة، وأن يراهنوا على أننا سننسى
استيقظ جمهور الممانعة بما فيه الممانعة المستجدة أي “التيار الوطني الحر”، على خبر مزلزل، لقد تمّ الإفراج عن العميل الإسرائيلي “جزّار معتقل الخيام” (كما يطلق عليه) عامر الفاخوري.
وقف مناصرو “التيار الوطني الحر” مذهولين، وكأنها المرة الأولى التي تمر فيها صفقة حرية لعميل إسرائيلي، على عهدهم. إنه تيّار “نسّاي” كما تقول الأغنية. أو يدّعي ذلك.
صديق عونيّ وأنا أسأله عن رأيه بقصة إطلاق سراح الفاخوري صار يهذي أشياء حقاً لم أفهمها، حتى أنه تحدّث عن المصارف ورياض سلامة. وحين طلبت منه أن يوقف هذيانه ويخبرني إلى من يحمّل مسؤولية هذا القرار الصادر عن القضاء اللبناني بقيادة مفوّض الحكومة القاضي بيتر جرمانوس، قال لي بثقة: “طبعاً ليس الحق على العهد، اسألي الحكومة، اسألي رئيس الحكومة”. يتحدّث صديقي كأصدقائه العونيين، وكأنّ هذه الحكومة شكّلها الحزب الشيوعي في نيكاراغوا.
هكذا بدت مواقع “السوشيل ميديا” ملعباً للتراشق في هذا اليوم “الكوروني” الممل، بين التيار العوني وصديقه اللدود “حزب الله”. ويبدو توقيت إطلاق السراح نموذجياً حقاً، الناس محجورون بسبب “كورونا” وخائفون من الموت، لا أحد سيخرج للتظاهر أو الانتفاض. المزاج العام في مكان آخر، فقال الرفاق للرفاق: “هيا بنا فلنفعلها”.
رامي نجم وهو محامٍ من كوادر “التيار الوطني الحر” كتب منشوراً غريباً قال فيه إنه قبل الثورة دخل الفاخوري إلى البلاد وبعد الثورة تمّ إطلاق سراحه. ونجم هذا معروف بمنشوراته الكوميدية التي لا ينظر في جديته سوى هو ومن معه من الرفاق المؤمنين بأن العالم كلّه متآمر على “العهد” وأن ثورة اللبنانيين هي المسؤولة عن تدمير كل شيء، وأن العهد بريء من دم جميع الصدّيقين.
طبعاً ليس سهلاً أن يطلق سراح الفاخوري في العهد القوي، وهي هزيمة تضاف إلى الهزائم المالية والاقتصادية والصحية والسياسية. نحن نتفهّم مشاعر المتباكين على عهدهم القوي، المذهولين بأنه فشل إلى هذا الحد، المنشغلين طوال الوقت بالتفتيش له عن ذرائع وعمن يمكن رمي الذنوب عليه.
“لطشات” مناصري العهد المخلصين ضد “حزب الله” وما قابلها من “لطشات” معاكسة قد تكون مدروسة ومتفقاً عليها، من يدري؟ ليست المرة الأولى التي يمرر فيها واحدهم للآخر “خبرية” من هنا و”خازوقاً” من هناك.
الأكيد أن خلف إطلاق سراح الفاخوري قصة غير بريئة، ومصلحة كبيرة، ربما لترطيب العلاقات مع واشنطن، وتهريب الفاخوري إليها قبل إغلاق المطار بسبب فايروس “كورونا”، فـ”قبة الباط” التي فعلها “حزب الله” أو التيار العوني والتي يدفعان ثمنها شعبياً وشعبوياً، يجب أن تكون مفيدة لحمايتهما مما هو أخطر، المزيد من العقوبات مثلاً، المزيد من المستهدفين بالعقوبات مثلاً.
وبيان “حزب الله” المقتضب أتى هكذا: “منذ اليوم الأول لاعتقال العميل المجرم والقاتل عامر الفاخوري بدأت الضغوط والتهديدات الأميركية سراً وعلانية لإجبار لبنان على إطلاق سراحه مع ثبوت كل الجرائم المنسوبة إليه”. لكنه لم ينفع في تهدئة غضب جمهوره ولا حتى جمهور التيار العوني الباحث عن بساط يمدّ عليه ثقل هذه المهزلة.
جمهور المقاومة بدا حزيناً جداً، تعيساً جداً، ولم يستطع في النهاية ألا يوجّه اللوم إلى قيادته. علي حجازي مثلاً وهو إعلاميّ مناصر للحزب، كتب “صراحة أخجل من التعليق على موضوع إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري والأمر لا يعالج ببيان أو إدانة بل بموقف حاسم وحازم من أبناء المقاومة بعيداً عن بعض المزايدين التافهين الذين صفقوا لإسرائيل في تموز 2006”. من يقصد حجازي يا ترى بهؤلاء المزايدين التافهين؟ أهي “لطشة” للأصدقاء العونيين أو المسيحيين اليمينيين الذين عادوا إلى رشدهم يوم تحالفوا مع المقاومة الإسلامية؟
ونشر مقاوم آخر صورة الرئيس ميشال عون “مع ضباط جيش الدفاع الإسرائيلي المحتل لبيروت عام 1982”. وأضاف “ليش الاستغراب من براءة عامر الفاخوري؟”.
العونيون أو جزء وافر منهم قرروا الدفاع عن الفاخوري بصفته مسيحياً ومن أجل دواعٍ اقتصادية، حتى أنّ أحد كوادر التيار كتب على “فايسبوك”: “ما هو الفرق بين الفاخوري ومروان حمادة وأبو مالك التلي؟ لا شيء سوى أن الفاخوري مسيحي وليست وارءه جهة تقتضي الظروف مسايرتها والتعاطي معها ببراغماتية وإذا كانت واشنطن هددت لاسترداده فالمنطق والواقعية يقضيان إجابتها لأننا لا يجب أن ندمّر اقتصادنا بسبب عميل قذر”.
حرية الفاخوري هزّت قلوب الأسرى والمصابين ومساجين روميه المحرومين من المحاكمة، لكن على الأمر أن يمرّ ببيانات ناعمة فيما الفاخوري أصبح خارج البلاد وما يُحكى عن استئناف القرار لن يغيّر أي شيء. وأخيراً كما حصل يوم خرج العميل فايز كرم معززاً مكرّماً من السجن، على الحزب والتيار ومعهما “حركة أمل” أن يتصافحوا كالإخوة، وأن يراهنوا على أننا سننسى وسنعود إلى انشغالنا بـ”كورونا” واختفاء الدولار من الأسواق وبحياتنا المهدّدة وموتنا الوشيك.
باسكال صوما – درج