تحت المجهر

عميل إسرائيلي تولى مسؤولية معتقل “الخيام” في جنوب لبنان زمن الاحتلال الإسرائيلي يعود الى أميركا ويترك في لبنان عاصفة سياسية

من مستشفى سيدة لبنان في جونية، وقبل ساعات على بدء سريان قرار إقفال مطار رفيق الحريري الدولي، وبينما كان لبنان منشغلاً بقرار التعبئة العامة نتيجة وباء “كورونا”، نقل العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري بموكب تابع للسفارة الأميركية إلى طائرة خاصة عاد بها إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتحمل الطائرة الرقم “Embraer ERJ 135BJ Legacy 600 G-LEGC”. ونشر حساب intelsky صوراً للطائرة التي استقلها الفاخوري.

وفي وقت لاحق وبعد الضجة الكبيرة التي أثارها الإفراج عن الفاخوري، أصدر قاضي الامور المستعجلة في النبطية القاضي احمد مزهر قراراً بمنع السفر عنه.

لم يكن إخلاء سبيله عملية كوماندوس خارجة عن القانون وبعيدة عن أعين الدولة وأجهزتها، بل كان الإخلاء تطبيقاً لقرار البراءة الذي نجحت الضغوط الأميركية في انتزاعه من السلطات السياسية اللبنانية ومن خلالها القضائية. وتعرّض الفاخوري قبل يومين لنكسة صحية خطيرة كادت تودي بحياته، وسط تساؤلات جدية عما إذا كان تدهور حالته نتيجة أوضاعه الصحية ومرضه، أم نتيجة تلاعب مقصود بالأدوية، أم غير مقصود.

جلسة سرية وطارئة

وعقدت المحكمة العسكرية جلسة سرية وطارئة الأحد 15 مارس (آذار) الحالي، على غير عادة أعمال المحاكم التي لم يحصل أن اجتمعت أيام العطل، وعلى طاولة قضاتها، جهزت توليفة قانونية لإطلاق سراح فاخوري، عبر اعتماد صيغة تم تطبيقها على مقاتلي الحرب الأهلية اللبنانية.

وبذريعة سقوط الاتهامات الموجهة إليه بفعل مرور الزمن، وبعد قبول الدفوع الشكلية التي قدمها وكلاؤه، صدر قرار إخلاء السبيل، وطرح القرار على التصويت، وصوت لصالح إطلاق سراحه ثلاثة قضاة بينهم رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين العبد الله المحسوب على “حزب الله” والمدعي العام القاضي بيتر جرمانوس المقرب من رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”

هل رضخ “حزب الله” للضغوط الأميركية؟

عام 1996 كان صدر عن المحكمة العسكرية اللبنانية حكماً غيابياً بحق عامر الفاخوري بجرائم القتل والعمالة لإسرائيل، وفي سبتمبر (أيلول) 2019 عاد الفاخوري الضابط السابق في ميليشيات أنطوان لحد (المتعاونة سابقاً مع إسرائيل جنوب لبنان)، والذي تولى مسؤولية معتقل “الخيام”، إلى لبنان، عبر مطار رفيق الحريري الدولي متسلحاً بنصيحة أسديت له من مراجع سياسية عليا لبنانية بإمكانية عودته بعد تمكن محاميه وبفعل مرور الزمن من إلغاء الأحكام الصادرة بحقه، وهو ما تم قضائياً في محكمة النبطية في جنوب لبنان، وسياسياً عبر اقتراح قانون قدمه “التيار الوطني الحر” بالسماح بعودة المبعدين إلى إسرائيل استناداً إلى ورقة التفاهم مع “حزب الله”، وتمكن محامي الفاخوري من تبييض سجله واستحصل على نسخة من النشرة الخاصة به على هذا الأساس.

استنفار الإدارة الأميركية

ويوم وصل الفاخوري إلى مطار بيروت سمح له بالدخول بعد حجز جواز سفره بهدف استدراجه، وحين ذهب في اليوم الثاني لاسترداده، تم التحقيق معه ليتبين أن فعل العمالة لديه بقي متمادياً، فهو ظل يستخدم بطاقة “LAISSER PASSER ” الإسرائيلية إلى حين حصوله على الجنسية الأميركية ما يعني قانونية إصدار مذكرة توقيف بحقه على الرغم من كل الإعفاءات التي نالها بفعل مرور الزمن.

وعليه، سيق الفاخوري إلى المحكمة العسكرية التي أصدرت القاضية نجاة أبو شقرا مذكرة توقيف بحق العميل، وادعت عليه بتهمة الانضواء في صفوف الإسرائيليين والاستحصال على الجنسية الإسرائيلية وتعذيب لبنانيين والتسبب بقتلهم.

واستنفرت الإدارة الأميركية وكثّفت جهودها لإطلاق الفاخوري حامل الجنسية الأميركية، والحائز أيضاً على جواز سفر إسرائيلي، تولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصياً متابعة الملف.

ريتشارد… أثارت القضية أولاً

وكانت السفيرة الأميركية السابقة إليزابيت ريتشارد أول من أثارت قضية الفاخوري مع المسؤولين اللبنانيين ولم تنجح. وخلال زيارة نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية دايفيد هايل بيروت، فاتح النائب السابق وليد جنبلاط بالقضية وطلب منه التدخل لدى القاضية أبو شقرا، وهي مقربة منه للعودة عن قرار التوقيف ولم تقبل.

وتكشف المعلومات أن هايل عرض ملف الفاخوري مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وأصر على تدخله لحله، مذكراً باسيل بقانون العقوبات الأميركي الذي يمكن أن يطال كل من انتهك حقوق الإنسان لأي مواطن أميركي أينما كان، خصوصاً أن اعتقاداً أميركياً سائداً بأنه تم تشجيع فاخوري على العودة بالتزامن مع إطلاق باسيل موقفه الشهير من بلدة رميش على الحدود مع إسرائيل بضرورة حل ملف المبعدين.

توقيف الفاخوري والتهديد بالعقوبات؟

ولم تكن رسالة هايل لباسيل الوحيدة حول ضرورة إنهاء الملف، طلب باسيل من “حزب الله” أكثر من مرة مساعدته على إطلاق سراح الفاخوري، لكن الحزب لم يعط جواباً واضحاً، مفضلاً عدم التدخل بهذا الموضوع، أصر باسيل على طلبه فطلب مساعدته بشكل شخصي لأن استمرار توقيف الفاخوري قد يعرضه لعقوبات أميركية.

ولم تكن المحكمة العسكرية لتصدر قراراً قضائياً بهذا الحجم لولا تغطية سياسية أولها من “حزب الله” تقول مصادر قضائية لـ “اندبندنت عربية”.

المدير العام السابق للأمن العام النائب جميل السيد مرشح “حزب الله” في البقاع، غرد على حسابه على “تويتر” “لا يمكن أن تجرؤ هذه المحكمة بمفردها على تبرئة الفاخوري وأتمنى فعلاً أن يكون قد أفرج عنه بصفقة لصالح لبنان وليعلنوا عنها للناس أما إذا كان ببلاش فيجب أن تتدحرج رؤوس”.

وفي خضم الضغوط الأميركية لمعالجة ملف الفاخوري، برزت معلومات ذكرتها مجلة “دير شبيغل الألمانية” أن الولايات المتحدة الأميركية عرضت على السلطات اللبنانية عبر باسيل المقايضة بين الفاخوري ورجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين الموقوف في أميركا بتهمة مساعدة “حزب الله” مالياً، أما وقد تم إطلاق الفاخوري، فإن حقيقة تنفيذ المقايضة أو عدم تنفيذها لا تزال غامضة، كما لم يظهر في البيان الذي أصدره “حزب الله” تعليقاً على إطلاق سراح الفاخوري، أي كلام عن مقايضة أو ثمن تقاضاه لقاء موافقته.

بيان الحزب استهجن قرار المحكمة العسكرية، وعبر فيه عن أسفه لنجاح الضغوط الأميركية، ووصف القرار بالخاطئ وبالخطوة البائسة بالنسبة للعدالة أولاً وبالنسبة للمظلومين والمعذبين ثانياً.

دعوة القضاة إلى الاستقالة

وبينما دعا “حزب الله” قضاة المحكمة إلى الاستقالة، ميّز مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري، الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة الاثنين، والذي قضى بكفِّ التعقبات عن العميل عامر الفاخوري، وطلب من محكمة التمييز العسكرية نقض الحكم وإصدار مذكرة توقيف بحقه وإعادة محاكمته من جديد بالجرائم المنسوبة إليه وهي خطف وتعذيب وحجز حرية مواطنين لبنانيين داخل معتقل الخيام وقتل ومحاولة قتل آخرين، وسجل طلب التمييز صباح اليوم الثلاثاء في قلم محكمة التمييز العسكرية”.

وعلى الرغم من صدور هذا الحكم، فإن الفاخوري صار خارج لبنان، وتقول مصادر سياسية لـ “اندبندنت عربية” أن القصة لترسم كاملة يجب انتظار بعض الوقت، والوقت كفيل بكشف اللثام عن كل المعطيات، والأكيد في القضية أن الأميركي طلب وضغط للإفراج ونجح في تحقيق ذلك، والأكيد أن هناك من سهّل لهذا الطلب وليس من دون ثمن، أما المقايضة مع تاج الدين فسبق ورفضت في قضية نزار زكا، فلماذا يتم القبول بها اليوم؟ وإذا لم يكن الثمن الإفراج عن رجل الأعمال المقرب من “حزب الله” فما هو إذاً الثمن الذي تقاضاه مَن سهّل في لبنان الإفراج عن عامر الفاخوري؟

المصدر : “اندبندنت عربية”

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button