ما أشبه اليوم بالأمس… لبنانيون يقفون بانتظار سحب أموالهم تماما كما حدث في العام 1966 مع بنك انترا.
الازمة المالية التي يعاني منها لبنان ليست الاولى ففي السابق تعرض لبنان لأزمة مماثلة في العام 1966 مع بنك انترا.
في بداية عام 1966 كان «بنك إنترا» ومتفرّعاته، في أوج النجاح، تجاوزتْ موازنته خمسة أضعاف موازنة الدولة اللبنانيّة. وكان أكبر مصرف من بين 99 مصرفاً، يستحوذ على 40% من مجمل ودائع القطاع المصرفي اللبناني. بلغتْ نسبة احتياطه، وقيمة موجوداته، 56% من النظام المصرفي اللبناني، يفوق ثاني أكبر مصرف في لبنان بمقدار 11 ضعفاً. من الناحية السياسية، يقصد ثلث نواب المجلس النيابي «بنك إنترا» نهاية كل شهر ليقبضوا المال، وكان للبنك خمسة وزراء في مجلس الوزراء.
في 15 أيلول عام 1966 خلص تقرير «باركر» (الذي أعدّ بتكليف من مجلس إدارة إنترا) إلى أنّ «بنك إنترا» يواجه مشكلة سيولة مستعصية. كانت نسبة السّيولة 3,5% وهي نسبة متدنية، غير مسموح بها في أوروبا والولايات المتحدة. لاحظ التقرير أنّ سحوب الزبائن قدْ أصبحت يوميّة، وحذّر أنّ هذه المعلومات كافية لإلحاق أكبر أذى بـ«إنترا»، إذا ما سُرِّبتْ إلى الرأي العام. ببساطة، شكّلتْ استثمارت «إنترا» الطويلة الأمد، التي يصعب تسييلها بسرعة، سبب بلوغه حافة الهاوية.
في عام 1964 اكتشفَ فريق من الخبراء، مكلّف بإعداد مشروع إصلاحي لإمبراطورية إنترا، أنّ «إدارة إنترا كانت بدائية، ومبنية كيفما اتّفق من المعالجات الآنيّة، وفق قرارات بيدس». كانت المجازفات بالودائع والرأسمال من سمات البنك، فقط لأنّ فرصاً ظهرت، أو لأنّ بيدس أراد الاستثمار. «استندتْ إمبراطورية إنترا إلى نجاح أو سقوط رجل واحد، هو يوسف بيدس. إذ افتقدتْ إنترا آليات ضروريّة تعتمدها عادةً المؤسسات المصرفية العريقة لتحفظ استقرار البنك، لتمنع الهزّات ولتعويمه في أقصى الظروف. من تلك الآليات الاحتفاظ باحتياطٍ من العملات، وبنسبة ودائع صحيّة، ضبط سياسات القروض والتحفّظ عن الاستثمار خارج إطار استثمارات المصرف».
أثبتتْ التحقيقات أنّ البنك، ولعدّة فترات، لم يحتفظ بأكثر من نسبة 5% سيولة، بينما القانون اللبناني يفرض نسبة 25% كحدّ أدنى، لتلبية العلمليات اليوميّة. لذا كان إنترا على حافة الهاوية، وسقوطه مسألة وقت، من دون الحاجة لمؤامرة، وهذا ما حصل بعدَ رفع سعر الفائدة في أوروبا والولايات المتحدة. بحيث انتهى مشروع بيدس الرئيس، أيّ لعب دور الوسيط بين إمارات النفط والأسواق المالية الغربية. كان المودعون العرب حجر الرّحى في استراتيجيّة بيدس العالمية. مع ارتفاع أسعار الفائدة في الغرب بدأت الرساميل تغادر بيروت (ليس فقط بنك إنترا) إلى مصارف واستثمارات غربيّة. حيث بلغتْ معدّلات الفوائد في الغرب حدود 12%، هو رقم قياسي مقارنة بمعدلات الفوائد المعطاة في بيروت، التي لا تتجاوز 4%. كان على إنترا أنْ يراجع استراتيجيته، فيقلّص استثماراته الطويلة الأمد، لكنّه لم يفعل.