تحت المجهر

اكتشاف النفط يعود لغسان قانصو من 1975 (النص الكامل لتقرير قانصو بالداخل)

بالعودة إلى تقرير شامل وهام وضعه منذ منتصف السبعينات المرحوم الدكتور غسان قانصو، يتبيّن أن الاكتشاف النفطي في لبنان قديم العهد

  وسبق أن إطلع المرحوم الرئيس الياس سركيس على التقرير النفطي إلا أن الظروف لم تكن تسمح في تلك الآونة بالاهتمام بهذه المسألة بفعل اشتعال الحرب الأهلية وتفاقم التوتر الداخلي على اكثر من صعيد وبداية مرحلة إنحلال الدولة وأجهزتها الرسميّة، فكان أن تم التغاضي عن التقرير ومضمونه الهام الذي يفصّل الواقع النفطي في لبنان ويقدم مقارنات معمقة من أبرز الشركات الدوليّة التي قامت بدراسة هذا الواقع وقدمت له عروضاً ومقترحا

  لقد أقدم المرحوم قانصو حيث تخاذل سواه مبرهناً بالأدلة العلميّة والتقنيّة وجود النفظ في لبنان وفي أكثر من موقع، ولعل هذا التقرير، رغم مرور سنوات طويلة على كتابته، لا يزال صالحاً بمضامينه وأفكاره الأساسيّة حتى يومنا هذا، لا بل إنه قد يكون بمثابة خارطة طريق للقطاع النفطي اللبناني، بدل الاستماع إلى نظريات الفريق العبثي وتحليلاته وتخيلاته.

إن العودة إلى هذا التقرير تشكل في جانبٍ منها إنصافاً لهذا الخبير الكبير المرحوم غسان قانصو الذي لم ينل حقه من الاهتمام والتكريم، ولم ينل تقريره ما يستحقه من الدرس والمتابعة، فتؤخذ الأفكار الرئيسية التي لا تزال صالحة وقابلة للتطبيق حتى يومنا هذا، ويُطوّر منه ما تغيّر من معطيات بفعل مرور الزمن وتطور الآليات التنفيذية والعمليّة ووسائل العمل والتنقيب والبحث عن النفط وإستخراجه منذ السبعينات حتى يومنا هذا.

إن المجتمع السياسي اللبناني مدعوٌ برمته للاطلاع على مضمون هذا التقرير وإستخلاص العبر والدروس علنا نستفيد من الآف الدراسات التي تكلف الملايين من الدولارات في عددٍ من الحقول والملفات التي تجريها الوزارات عند كل تغيير حكومي!

***********************************************

تقرير غسان قانصوه كاملاً

بيروت في 1975/7/31

معالي وزير الصناعة والنفط الاستاذ غسان تويني المحترم

تحية واحترام وبعد،

أودعكم ربطاً النسخة الأصلية للتقرير الذي قدّمته لسلفكم حول العرضين المقدمين من شركتي البترول الفرنسية وأجيب الايطالية للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في المياه اللبنانية وكذلك نسخة منقحة من التقرير نفسه على ضوء التطورات التي حصلت في صناعة البترول العالمية منذ كتابة التقرير الأول وحتى يومنا هذا. كما أبعث لكم بنسخة من الدراسة التي وضعتها سنة 1970 بناءً لطلب من معالي وزير التصميم العام حول: «الصناعات البتروكيميائية وامكانية انتاجها في لبنان»، والتي نشرت جريدة “النّهار” في ملحقها الاقتصادي جزءاً منها في حينه.

هذا، وأنني على استعداد لمعاونتكم في دراسة العروض الجديدة التي وردت على الوزراء إذا رأيتم ذلك مناسباً.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

الدكتور غسان قانصوه

————————————

بيروت في 1974/1/19

معالي وزير الصناعة والنفط الشيخ توفيق عساف المحترم

تحية واحترام وبعد،

بناءً لرغبتكم قمت بدرس العرضين المقدّمين من قبل شركة البترول الفرنسية وشركة “أجيب” الايطالية للبحث والتنقيب عن البترول في المياه اللبنانية واتشرف بأن أقدم اليكم التقرير التالي:

1ــ الوضع الحالي للبحث والتنقيب عن البترول في لبنان:

إن البحث والتنقيب عن البترول في لبنان يخضع في الوقت الحاضر للتشريعات التالية:

أـ القرار رقم 113/ل ر الصادر بتاريخ 9 آب 1933

ب ـ القرار رقم 133/ل ر الصادر بتاريخ 23 حزيران 1936

ج ــ المرسوم الاشتراعي رقم 113/ ن الصادر بتاريخ 9تشرين الأول 1941 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 11 تشرين أول تحت رقم 3929

د ـ القرار رقم 136/ ف ل الصادر بتاريخ 23 شباط 1942.

هــ ــ القانون الصادر بتاريخ 27 شباط 1946

و ــ المرسوم رقم 7281 الصادر بتاريخ 7 آب 1961 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 آب 1961 تحت رقم 36.

واستناداً الى هذه التشريعات حصلت مجموعة من الأفراد والشركات على رخص لها والتنقيب عن البترول في الأراضي اللبنانية أهمّها:

1ــ السيد بشارة ثابت اللبناني الجنسية الذي حصل على رخصة تشمل خمسة مربعات )10X10كلم( في لبنان الشمالي ورخصة أخرى تشمل خمس مربعات في لبنان الجنوبي. قسم من هذه المربعات يقع في المياه الاقليمية قرب الساحل.

2ــ شركة بترولكس (Petrolex) التي حصلت على رخص تشمل 63 مربعاً منتشرة في كامل المناطق اللبنانية: لبنان الشمالي، البقاع، جبل لبنان، بيروت، لبنان الجنوبي.

3ــ السيد نعمة ملحم اده لبناني الجنسية الذي حصل على رخصة تشمل 7 مربعات في لبنان الشمالي.

4ــ السيدين شاهين وعابديني حصلا على رخصتين للبحث والتنقيب في المنطقة الساحلية الواقعة بين جبيل والحدود السورية.

هذا فيما يخص رخص البحث والتنقيب، أما فيما يخص الامتيازات الممنوحة لتطوير واستغلال البترول في الأراضي اللبنانية، فهناك امتياز واحد منح الى شركة الزيوت اللبنانية بتاريخ 8 تموز 1955 مدته 75 عاماً وصدّق بالقانون الصادر بتاريخ 10/8/1955. وقد توج باتفاق ثنائي بين الشركة والحكومة اللبنانية بتاريخ 21 حزيران 1959 وصدّق بالقانون الصادر بتاريخ 17 آب 1959 الذي أتاح توسيع رقعة الامتياز حتى شمل 24 مربعاً ومنح الحكومة 13،75٪ من الاسهم بدون مقابل.

لقد قامت شركة الزيوت اللبنانية حتى 12/8/1969، تاريخ صدور المرسوم القاضي بالغاء الامتياز الممنوح لها، بحفر خمسة آبار في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية الا أنها عادت واستردّت الامتياز بناء على قرار من مجلس شورى الدولة سنة 1970، وهناك في الوقت الحاضر خلاف بين الشركة والحكومة اللبنانية لا يزال عالقاً أمام مجلس شورى الدولة) وقد حلّ هذا الخلاف لمصلحة الشركة بعد كتابة هذا التقرير(.

بالاضافة الى الآبار التي قامت بحفرها شركة الزيوت اللبنانية، قامت شركة لبنان )فرع من شركة نفط العراق(، بناء على الامتياز المعطى لها سنة 1938 والذي تخلت فيما بعد سنة 1948، بحفر بئر في الطربل شمال طرابلس. كما تم حفر بئر آخر وصل الى عمق 650 متراً على يد شاهين وعابديني في عبرين قرب جونية. ويبيّن الملحق رقم 1 تقدم الأعمال الجيولولوجية والجيوفيزيائية ونتائج الاختبارات والآبار التجريبية التي تمّ حفرها في مختلف المناطق اللبنانية.)من محاضرة القيتها في بيت المهندس بتاريخ16/8/1972( حول صناعة البترول في لبنان: حاضرها ومستقبلها(.

2ــ محتوى عرضي شركة البترول الفرنسية وشركة أجيب الايطالية:

أـ محتوى عرض شركة البترول الفرنسية:

تقدمت شركة البترول الفرنسية بطلب للبحث والتنقيب عن البترول في المياه اللبنانية وفي رقعة قدّرتها الشركة بحوالي 17،000 كيلومتر مربّع عمقها في الغالب يترواح بين 200 و 2000 متر. وتطلب الشركة لها وحدها حق البحث والتنقيب في هذه المساحة لمدة ثمانية عشر شهراً تقدم على كامل المعلومات التي توصلت اليها مجاناً للحكومة اللبنانية. وعلى أثر المسح الجيوفيزيائي الذي تقوم به الشركة في هذه الفترة تعتبر انه من حقها  أن تنتقي رقعة صغيرة أو أكثر الاّ تتجاوز مساحة هذه الرّقع 50٪ من مجمل المساحة الأصلية.

بعد ذلك تنتقل الشركة  الى المرحلة الثانية من عملية البحث والتنقيب وتطلب اعطاءها فترة عشر سنوات لزيادة البحث وحفر الآبار التجريبية وتقسم هذه المرحلة الى فترتين:

الفترة الأولى: مدّتها خمس سنوات يتم فيها حفر بئر واحد وفي نهايتها يتمّ التخلي عن 50٪ من المساحة التي احتفظت بها الشركة بعد عملية المسح الزلزالي الأول.

الفترة الثانية: مدّتها خمس سنوات ايضاً يتمّ فيها حفر بئرين وفي نهايتها لا تحتفظ الشركة الا بمناطق الانتاج.

مدّة الامتياز 25 سنة والريع يدفع على أساس الأسعار المحققة وكجزء من ضريبة الدخل حسب النسب التالية:

للبترول المستخرج من الأعماق تتراوح بين:

0 – 200 متر           14٪

200 – 500 متر       13٪

500- 1000 متر      12٪

1000- 2000 متر    10٪

ما بعد 2000 متر      8٪

تعتبر الشركة أنه لا يعادلها في مجال التنقيب عن البترول في المياه العميقة الا شركة شلّ التي تملك الباخرة «سدكو 445» القريبة بخصائصها من الباخرة «باليكان خاصة الشركة المذكورة».وتحتفظ الشركة لنفسها بحق مشاركة شركات عالمية أخرى من أجل تطوير المواد المكتشفة.

ب ـ محتوى عرض شركة أجيب:

تطلب شركة أجيب اعطاءها امتيازاً للبحث والتنقيب عن البترول في كامل المياه اللبنانية التي قدّرت الشركة مساحتها بحوالي 16،000 كيلومتر وحدّدت في العرض أنها ستقوم بالبحث بالاشتراك مع الشركات الأميركية: كونتيننتال وفيليبس وجيتي وتلعب هي دور منفذ الأعمال بالنيابة عن شركائها. وقد حدّدت مدة البحث خمس  سنوات يتم خلالها حفر بئر واحد ويصرف ما لا يقل عن  4 ملايين دولار على أن يكون لها الحق بتمديد هذه الفترة مرتين متواليتين تستغرق كل منهما ثلاث سنوات يتم فيها حفر بئرين وصرف لما لا يقل عن 6 ملايين دولار.

وقد ارتأت الشركة ان تتخلى عن 25٪ من المساحة الأصلية بعد الخمس سنوات الأولى وعن 25٪ بعد كل من الثلاث سنوات التالية. بمعنى أنها تحتفظ بعد احدى … سنة بـ 25٪ من المساحة الأصلية اذا تم العثور على البترول منها.

تتعهد الشركة في حال عدم إكمال عملية البحث في الخمس سنوات الأولى بدفع ما تبقى من مبلغ 4 ملايين دولار الذي التزمت بصرفه في هذه المرحلة الى الحكومة اللبنانية أمّا إذا عثرت على البترول فإنها تتعهّد بدفع:

2،000،000 دولار عندما يبلغ مستوى الانتاج 100،000 برميل في اليوم.

3،000،000 دولار عندما يبلغ مستوى الانتاج 200،000 برميل في اليوم.

3،000،000 دولار عندما يبلغ مستوى الانتاج 300،000 برميل في اليوم.

مدّة الامتياز 40 سنة قابلة للتجديد عشر سنوات والريع يدفع على أساس الاسس المعلنة وينفق كجزء من المصاريف العامة. نسبة  الريع هي التالية:

للبترول المستخرج من أعماق تترواح بين:

0- 500 متر            12،5٪

500 – 1000 متر     10٪

1000-2000 متر     8٪

وقد تعهّدت الشركة بدفع 10 دولارات إيجار لكل كيلومتر مربّعْ في السنة وكذلك بدفع ضريبة دخل مقدارها:

50٪ من الأرباح الصافية العائدة للانتاج حتى 500 متر  عمق.

45٪ من الأرباح الصافية العائدة للانتاج الواقع بين 500 – 1000 عمق.

40٪ من الأرباح الصافية العائدة للانتاج الواقع بين 1000 ـ 2000 عمق.

وعند تحديد ضريبة الدخل تؤخذ بعين الاعتبار الاسعار المحققة.

وقد اقترحت الشركة ان تساهم الحكومة اللبنانية برأسمال الشركة ضمن نطاق الشروط التالية:

للحكومة الحق بالمساهمة بنسبة 20٪ عندما يبلغ مستوى الانتاج 200000 برميل في اليوم.

للحكومة الحق بالمساهمة بنسبة 10٪ اضافية عندما يبلغ مستوى الانتاج 300،000 برميل في اليوم.

للحكومة الحق بالمساهمة بنسبة 10 ٪ إضافية عندما يبلغ مستوى الانتاج 400،000 برميل في اليوم.

للحكومة الحق بالمساهمة بنسبة 10 ٪ إضافية عندما يبلغ مستوى الانتاج 500،000 برميل في اليوم.

في هذه الحالة تدفع الحكومة للشركة ان عيناً أو نقداً النسبة المقابلة لحصتها في الاسهم من تكاليف البحث والانتاج.

ويبيّن الجدول رقم 1 الشروط والامتيازات التي يقدمها كل من العرضين المذكورين.

3ـ  الرأي:

أـ المقدمة:

يعود اهتمام الشركتين المتقدّمتين بطلب الامتياز للبحث والتنقيب عن النفط في المياه اللبنانية الى كون الطبقات الأرضية في حوض البحر الأبيض المتوسط اثبتت أنها حاوية للبترول والغاز.

لقد تفجّر البترول في بئر «Gela Mare21» في مياه جزيرة صقلية سنة 59 تبعه بئر لانتاج الغاز سنة1960  «Ravena Mare» في البحر الأدرياتيكي وقد جرى تطوير واستغلال هذا البئر سنة 1965 معلناً بدء انتاج الغاز في مياه البحار في أوروبا. ولم تمض على اكتشاف البئر الأخير حتى تتالت الاكتشافات في البحر الأدرياتيكي فعثر على الغاز في «Porto Corsiui» سنة 1961 وفي «Gesenatico More» سنة 62 وفي «Ravena Mre sud» سنة 1963 وفي Punta Marina  وبعد سنة 1967 اكتشفت حقول مهمة للغاز هي cervia Ariana, Amelia» و Porto Ganbaldi-Agostino» سنة 1968، Dianaسنة 1969، David سنة 1970 و Barbara و Antonella وEmilio سنة 1971، Dora في البحر الأدرياتيكي و Luna في البحر الأيوني مقابل اليونان سنة 1972.

إن حصيلة البحث والتنقيب عن البترول والغاز في البحر الأدرياتيكي هي اكتشاف 7 للغاز. يقّدر الغاز الممكن استخراجه بـ 100 مليار متر مكعب. ووصل الانتاج سنة 1972  6،3 مليار متر مكعب. وقد تم حفر البئر Eruesto Nord1» في المياه الاقليمية الايطالية. على عمق 167 متراً واستمر الحفر حتى 6173 متراً حيث عثر على الغاز الطبيعي.

وتواصل يوغوسلافيا ابحاثها عن البترول والغاز في القسم العائد لها من البحر الأدرياتيكي بعد ان حصلت على نتائج مشجعة بعثورها على مكامن للغاز في عدة أماكن أهمها في المياه القريبة من مدينة Pula.  وهي الآن في طور اعداد الخطط لاستغلال الغاز الذي يتوقّع ان يبدأ انتاجه سنة 1977.

ومن الدلائل المشجعة على البحث والتنقيب عن البترول في المياه اللبنانية عثور شل وفيليبس سنة 1973 على الغاز الطبيعي في بئر «أبو قير» في المياه القريبة من مدينة الاسكندرية والذي ستتولى المؤسسة العامة للبترول المصرية استغلاله بحسب نصوص العقد مع شركة فيليبس. وتقوم المؤسسة وبعد أن حصلت على قرض من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بوضع الخطط لاستغلال الغاز المكتشف وذلك بمدّ خط بحري طوله 40 كلم  وقطره 11 بوصة لايصال الغاز الى الخيلة من الاسكندرية. ومن المقّدر أن يباشر الخط عمله سنة 1977 وبطاقة ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً يستخدم منها مصنع الأسمدة الكيميائية 1،2 مليوناً ومصيدة الحديد الاسفنجي 1،8 مليوناً.

هذا وكانت شركة تابعة لشركة البترول الايطالية «ايني» قد عثرت على الغاز الطبيعي في بئر «أبو ماضي» في دلتا النيل بالقرب من البحر سنة 1967 وقد باشرت في تشرين الأول )أي بعد كتابة هذا التقرير( بالاشتراك مع  المؤسسة العامة للبترول المصرية، باستغلال هذا البئر بمعدّل 2،86 مليون متر مكعب يومياً لاستعماله في مصنع  الأسمدة الكيماوية في الطلق وفي المصانع والمحطات الكهربائية في منطقة الدلتا.

وقد بدأت شركة إسّو )بعد كتابة هذا التقرير( في 26 كانون الأول 1974 بحفر بئر استكشافية للبحث عن النفط شمال الدلتا في البحر الأبيض المتوسط في تركيب يعتبر من أكبر التراكيب النفطية التي كشفت عنها الدراسات السيزمية التي أجرتها الشركة في المنطقة المذكورة وتقدر مساحة هذا  التركيب بـ 83 كلم مربع.

أما في بحر إيجه،  حيث بدأ البحث عن البترول والغاز منذ سنة 1971، فقد أثبتت الدراسات التي حصلت عليها الشركة الأميركية Oceanic Exploration في أواخر سنة 1973 وجود تجمعات نفطية في المياه القريبة من جزيرة Thososعلى بعد 100 كلم شرق سالونيك. وقد تم حفر بئرين: Prinon-1 و Prionon-2 يبعد كل منهما عن الآخر حوالي 1 كيلومتر الواحد، حيث عثر على البترول في البحر على عمق 36 متراً، وفي طبقة يبلغ عمقها عن سطح البحر 2800 متراً وسماكة البترول فيها 120 متراً. ان التقبل النوعي للبترول المكتشف هو 0،890 ويحتوي على 4٪ من الكبريت. وسيبدأ الانتاج قبل: سنة 1975 ويزيد تدريجياً حتى يبلغ 9،5 مليون طن سنة 1977. أما الاحتياج الممكن استخراجه فيقدّر بحدود 200 مليون طن من البترول.

ومن المحتمل ان تكون هذه الاكتشافات احدى الأسباب التي أدّت الى تأزّم العلاقة بين تركيا واليونان والتي دعت كل منهما الى اتخاذ موقف متصلب بالنسبة لحدود مياهها الاقليمية. لقد أرادت اليونان ان تضم منابع النفط المحتملة الى أراضيها عندما اعلنت عن عزمها  على توسيع حدود مياهها الاقليمية من 6 الى 12 ميلاً وبذلك خرق معاهدة لوزان الموقعة سنة 1923 والتي تنص على ان المياه الاقليمية لدولة ما تمتد ستة أميال من البئر في عرض البحر. واذا ما تحقق ما تصبو اليه اليونان، فإن بحر إيجه الذي يحتوي على 3049 جزيرة يونانية سيصبح بحراً يونانياً ولا يبقى للاتراك منه الا النذر اليسير. على هذا أجابت تركيا، وبعد أخذ وردّ، بأن أعلنت بتاريخ 18 تموز 1974 تمسّكها بتقسم مياه بحر إيجه على أساس قرار محكمة العدل الدولية الصادر سنة 1969 بالنسبة لتقسيم مياه بحر الشمال على الدول المحيطة به. وعلى أساس هذا  التقسيم تتوسع حصة تركيا من بحر إيجه بما يزيد على 10 آلاف كلم مربع.

ومن الواضع ان هذا الخلاف كان من الأسباب الرئيسية التي حدت بتركيا الى إرسال قوّاتها الى جزيرة قبرص والمطالبة بتقسيم الجزيرة الذي يضمن لتركيا المحافظة على مصالحها البترولية في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وفيما يختص باسرائيل، فقد منحت أول رخصة للتنقيب عن البترول والغاز في المياه المغمورة سنة 1962، وذلك للشركة الكندية «Petrocana» وهي شركة متفرعة عن شركة Sancana. وقد قامت هذه الشركة بعمل مسح جيوفيزيائي للمناطق المغمورة، تبعته شركة Asher Oil Company التي أجرت مسحاً جيوفيزيائياً في المنطقة المغمورة المواجهة وفي أوائل عام 1966 تشاركت شركة Livingstone Oil مع شركة Petrocana الكندية وفي أواخر عام 1966 حصلت شركة Bleco الأميركية على امتيازات بحرية بالقرب من قيسارية وحيفا. وقدم تم سنة 1966 اجراء عمليات مسح جيوفيزيائى واسع في اسرائيل شملت أعمال المسح السيزمي ومسح الحذابية، كما تم اجراء مسح مغناطيسي جوي للبلاد بأكملها وكذلك لشريط من المنطقة المغمورة في البحر الأبيض المتوسط، على عشرين ميلا. وتدل الأبحاث الأولية التي أجرتها الحكومة الاسرائيلية على أن منطقة البحر الميت منطقة تجمع بترولي، وكذلك فقد رصدت لأعمال البحث والتنقيب في هذه المياه 50 مليون دولار في موازنة سنة 1974 وقامت باتصالات مع الشركات الألمانية بغية تشجيعها على المساهمة في تمويل عمليات البحث وتطوير آبار البترول المرتقبة.

ومن الجدير بالذّكر، ان شركة أجيب حصلت منذ نيسان 1972 على 50٪ من الحق الممنوح سنة 1971 الى شركة شل مالطة للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في اللمياه الاقليمية لجزيرة مالطة. وقد جرى حتى نهاية 1972 حفر بئر تجريبية للتأكد من وجود البترول والغاز في تلك المياه.

أما بالنسبة لتونس، فقد اتفقت الشركتان، صاحبتا العرضين المقدمين وزارة الصناعة والنفط وهما شركة أجيب وشركة البترول الفرنسية، على التعاون فيما بينهما وتأسيس شركة مساهمة تضم شركتي ITAINE, ERAP الفرنسيتين للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في المياه التونسية وقد حصلت على امتياز مساحته 6،000 كلم مربع شرق خليج قابس. كما حصلت شركتا اجيب والبترول الفرنسية بالاشتراك مع شركة moco International Oil Company على امتياز مساحته 18،000 كلم مربع في خليج قابس ايضاً.

ب ـ نقد وتحليل للعرضين موضعي البحث:

ان العرضين المقدّمين الى وزارة الصناعة والنفط يتعارضان الى حد كبير مع احكام القرارات والقوانين والمراسيم التي تنظم قواعد البحث والتنقيب عن البترول في لبنان.

وبالمقارنة بين الشروط والامتيازات التي يوفرانها العرضان المذكوران وبين التشريعات اللبنانية من جهة والنظم السائدة في صناعة البترول العالمية من جهة ثانية لا بدّ لنا من ابداء الملاحظات التالية:

1ـ رقعة الامتياز:

تنص التشريعات اللبنانية على منح مربعات طول كل واحد منها 10 كيلومتر وبذا تصبح مساحة المربع الواحد 100 كلم مربه وتسمح لصاحب الامتياز ان يحصل على عدة مربعات لا تسمح باعطاء مساحة في البحر تفوق كامل مساحة لبنان البرية بـ60٪ الى شركة واحدة طالبت شركة البترول الفرنسية بمساحة قدرها 17،000 كلم مربع بينما طالبت شركة اجيب بـ 16،000 كلم مربع.

ان مصلحة لبنان تقضي بتقسيم هذه المساحة الكبيرة الى عدة رقع او مربعات كما حصل في بحر الشمال واعطائها الى شركات متعددة، بعد الاعلان عن مناقصة عالمية تحدّد شروطها في قانون بترولي لبناني جديد، يراعي كل ما استجدّ في صناعة البترول العالمية، منذ سنة 1961 تاريخ صدور آخر مرسوم ينظم قواعد البحث والتنقيب عن البترول في لبنان وحتى سنة 1975، آخذاً بعين الاعتبار خاصة الأربع سنوات الأخيرة اي منذ اتفاقيات طهران وطرابلس وكراكاس سنة 1971، التي جاءت لتفتح صفحة جديدة في علاقة دول منظمة أوبيك بالشركات العالمية التي تسيطر على هذه الصناعة.

2ــ مدّة البحث والتنقيب عن البترول:

ان المدة المعروضة من قبل الشركتين للبحث والتنقيب جاءت مشابهة للتشريعات اللبنانية. اذ ان هذه نصت على منح رخصة البحث لفترة أربع سنوات يمكن تمديدها على دفعتين ثلاث فثلاث سنوات. الا ان هذه المدة أصبحت جد طويلة بالنسبة للعقود والاتفاقيات الحديثة العهد، حيث تتراوح فترة البحث بين ثلاث وخمس على الأكثر. وهذا ما تعهدت به مثلاً شركتا صنّ أويل وشركة البترول الفرنسية بعد الموقعين مع شركة سوناتراك الجزائرية على التوالي في 27 آذار 1973 و 5 حزيران.

إن عرض شركة البترول الفرنسية هو اكثر ملائمة من عرض شركة أجيب يخص المدة والتخلي عن المناطق التي لم يعثر فيها على البترول. ولكن في كلتي الحالتين عملية البحث بطيئة والأمتار المحفورة قليلة بدليل ضآلة عدد الآبار التي يوجب حفرها في فترة العشرة أو الاحدى عشرة سنة.

3ـ مدة الامتياز التي تلي فترة البحث والتنقيب:

ان مدة الامتياز التي يتم فيها تطوير واستغلال آبار النفط أيضاً طويلة. فلقد نصت التشريعات في الولايات المتحدة الأميركية على مدة تزيد عن عشرين سنة. وفي الاتفاقيتين المذكورتين آنفاً بين شركتي صن أويل والبتروكل الفرنسية وبين شركة سوناتراك الجزائرية، تنص كل من الاتفاقيتين على تحديد فترة والاستغلال فقط بـ12 سنة. بينما هي في عرضنا: 25 سنة لشركة البترول الفرنسية و40 سنة لشركة أجيب قابلة للتجديد 10 سنوات أخرى.

وهنا تجدر الإشارة الى آن التشريعات اللبنانية تعطي لصاحب الامتياز او المحافظة على امتيازه طيلة 75 سنة قابلة للتجديد 25 سنة آخرى. لذلك اصبح من الضروري وبأسرع ما يمكن سنّ قانون بترولي جديد يتلافى هذا الواقع غير الطبيعي.

4ـ الشركات العاملة:

احتفظت كل من الشركتين لنفسها الحق في إدخال شركاء معها ولم تعرضا على الحكومة اللبنانية الدخول شريكاً منذ البدء في عملية البحث والتنقيب. وفي الوقت ذاته لم تتطرق فيه شركة البترول الفرنسية مطلقاً لهذا الموضوع، نجد أن شركة أجيب لم تعط هذا الحق للحكومة اللبنانية إلاّ بعد ان يبلغ الانتاج 200،000 برميل في اليوم اي عشرة ملايين في السنة وبسنبة ضئيلة قدرها 20٪ تزيد ببطىء ولا تصبح 50

٪ الا بعد بلوغ الانتاج 500،000 برميل في اليوم اي 25 مليون طن في السنة.

هذه الشروط، تذكرنا بالشروط التي كانت سائدة في العشرينات والثلاثينات في صناعة البترول العالمية وهي لا تتفق مطلقاً مع واقع  صناعة البترول العالمية اليوم.

لقد كانت شركة اجيب أول شركة عالمية تعرض على الدول المنتجة للبترول تدخل شريكا في النصف في عمليات الانتاج بعد العثور على البترول بكميات تجارية، وكانت تتحمل مخاطر البحث والتنقيب. الا في حال العثور على البترول بكميات تجارية عندئذ تتحمل الدول المنتجة تكاليف البحث. وجاءت الاتفاقيات التي عقدت مع ايران سنة 1957 والمغرب سنة 1958 ومصر سنة1961 وتونس سنتي 1961 و 1966 لتكرس هذا الاتجاه. واذ بها في عرضه للحكومة اللبناننية تشترط ان يبلغ الانتاج 25 مليون طن سنوياً حتى تتمكن الحكومة الدخول شريكاً في النصف.

اما شركة البترول الفرنسية فقد دخلت منذ سنة 1965 في الجزائر في اتفاق مشاركة. وقد حتم القانون البترولي الجزائري الصادر سنة 1971 على الشركات في الجزائر ان تدخل بشراكة مع شركة البترول الوطنية الجزائرية (سوناتراك) بنسبة 51٪ لسوناتراك و 49٪ للشركة الأجنبية.

ان الاتجاهات الحديثة في عقود المشاركة تعطي للدولة المنتجة الحق بالحصول على حصة من البترول المنتج تصل حتى 85٪ وفي العقود المصرية تسترجع الشركة الأجنبية نفقة البحث والتنقيب من خلال بيع 40٪ من البترول المنتج لهذه الغاية حتى تحصل الشركة كامل المبالغ المنفقة للبحث والنقيب. أما في العقود الليبية، فإن الحكومة الليبية تدفع نقداً، بعد العثور على البترول بكميات تجارية، نسبة من تكاليف البحث تعادل حصتها في الشركة الجديدة التي تتراوح بين 80 و 85٪. على ان تسترجع ما دفعته للشركة في فترة تتراوح بين 15 – 20 سنة وبدون فائدة.

أما في عقود المقاولة، فإن الشركة الأجنبية تعمل لحساب الدولة المنتجة، ولقاء تحمّلها تكاليف البحث تحصل على امتياز الحصول على كميات محددة من الانتاج بأسعار مخفضة ولفترات طويلة  كما يحدث حالياً في ايران مثلاِ.

5 ـ الريع:

ان تنفيق الريع اي اعتباره جزءاً من كلفة الانتاج أصبح من المسلمات في صناعة البترول العالمية. وان اعتماد الاسعار المعلنة لاحتساب الريع ايضاً أصبح من  المتعارف عليها في هذه الصناعة. وان الفرق الكبير بين احتساب الريع على أساس الأسعار المعلنة او الاسعار المحققة اذ ان الاسعار المعلنة تفوق الأسعار المحققة بـ40٪ الا في حالات الأزمات والحروب عندئذ تصبح هذه القاعدة غير قابلة للتنفيذ.

لقد طالبت منظمة أوبيك منذ إنشائها سنة 1960 بتنقيب الربع وكان لها صولات وجولات مع شركات البترول العالمية الي ان استقرّ الأمر على ما هو عليه ورضخت الشركة لمطالب الدول المنتجة للنفط ولا يجوز العودة الى الوراء واعتماد مبادىء عفى عليها الزمن وأصبحت نسياً منسياً.

ان شركة البترول الفرنسية تطلب احتساب الريع على اساس الأسعار المحققة واحتسابه كجزء من ضريبة الدخل. بينما تعرض شركة أجيب احتساب الريع على اساس الأسعار المعلنة وتنفيقه. ان النسبة التي يبرزها كل من العرضين ضئيلة اذا ما قيست بالنسبة للاتفاقيات الأخرى التي تعقد في مناطق مختلفة من العالم. ان نسبة 12،5٪ تعدّاها وأصبحت اليوم بحدود 20٪ في بعض الاتفاقيات.

6ـ ضريبة الدخل:

لقد حددت اتفاقية طهران الموقعة بتاريخ 14ـ2ـ 1971 واتفاقية طرابلس الغرب الموقعة بتاريخ 2 نيسان 1971 بين الدول المنتجة للنفط والشركات البترولية ضريبة الدخل بـ55٪ من الأرباح، وفرضت إضافات وزيادات سنوية ابتداء من سنة 1973، معلنة بذلك نهاية مبدأ تقاسم الأرباح (50٪ للدولة المنتجة، 50٪ للشركة العاملة) الذي بوشر بتطبيقه منذ سنة 1952. وقد تجاوزت الشركات اليابانية المبدأ المذكور سنة 1957عندما وقعت اتفاقية مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت للبحث والتنقيب البترول في المناطق المغمورة العائدة للمنطقة المحايدة بين السعودية والكويت. وقد جاء في هذه الاتفاقية ان ضريبة الدخل التي سوف تدفعها الشركة هي 57٪ من الأرباح الصافية وأن الريع البالغ 20٪ من الأسعار المعلنة سيحتسب على أنه جزء من تكلفة الانتاج.

ولعله من المفيد ان نذكر ان شركة «ايني» وهي الشركة الأم لشركة أجيب كانت أول من تجاوز مبدأ تقاسم الأرباح في الاتفاقيات التي عقدتها سنة 1957 وما بعد مع وايران وتونس والمغرب.

ان شركة البترول الفرنسية لم تأتِ على ذكر ضريبة الدخل، بينما شركة أجيب ابتدأت بضريبة قدرها 50٪ من الدخل الصافي على أساس الأسعار المحققة ووصلت الى قدرها 40٪ على البترول المستخرج من الأعماق بين 1000 – 2000 متر.

ولا بدّ لنا من التنويه بأن ضريبة الدخل قد بلغت في بعض العقود المعقودة في الآونة الأخيرة نسبة 85٪ من الأرباح الصافية.

7 ــ الدفعات النقدية:

لم تعرض شركة البترول الفرنسية اي دفعات نقدية بالرغم من أنه أصبح من المتعارف عليه ان تدفع الشركات دفعات نقدية عند توقيع العقد وعندما يبلغ الانتاج نسبة معينة. أما شركة أجيب فقد ربطت الدفعات النقدية بالوصول الى انتاج معين وهو 100،000 برميل في اليوم اي خمسة ملايين طن وما فوق في السنة وهذه النسبة ولا شك مجحفة نظراً للعرف السائد في صناعة البترول العالمية. وبالنسبة لايجار رقعة الارض، فإن القيمة زهيدة جداً وتذكرنا بالامتيازات القديمة التي كانت سائدة في العشرينات في البلاد العربية.

لقد تعرّضنا فقط للشروط والامتيازات التي طرحتها الشركات ضمن نطاق العرض المقدّمين الى وزارة الصناعة والنفط. وهناك نقاط كثيرة اخرى لا بد من أخذها بعين الاعتبار للمحافظة على مصحلة لبنان العليا نرى من الواجب والمفيد ان تدوّن في القانون البترولي الجديد لتنظيم قواعد البحث والتنقيب عن البترول في لبنان.

ج ـ التوصيات والاقتراحات:

 1ـ تأجيل البتّ في العرضين المذكورين لغاية اصدار القانون البترولي الجديد.

2ـ العمل على اصدار القانون البترولي الجديد بعد دراسة مقارنة بأقرب وقت.

3ـ تقسيم المناطق المغمورة والمياه الاقليمية الى مربعات ورقع صغيرة والاعلان عن مناقصة عالمية واستدراج عروض على اساس الشروط المحددة في العقد البترولي الجديد.

4ـ دراسة اماكنية الغاء الامتيازات الحالية للمناطق البرية والحبرية .

5ـ انشاء شركة وطنية لبنانية للبترول تتولى الاشراف على مصالح لبنان في اتفاقيات المشاركة التي ستعقد مع الشركات الأجنبية او تعزيز المديرية العامة للبترول حتى تتمكن من القيام بالمهام المذكورة.

6 ــ يمكن وقبل قرار مشروع القانون البترولي الجديد عقد اتفاقيات مع الشركات البترولية شرط ان يؤخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي اوردناها في معرض نقد وتحليل العرضين وكذلك الأعراف والنظم السائدة حالياً في صناعة البترول العالمية.

 الدكتور غسان قانصوه

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button