حفر أول بئر نفطية: العونيون يبيعوننا سمكاً في البحر!
بعد مغادرتها مصر باتجاه قبرص للتزود بالوقود، وصلت الباخرة تونغستن إكسبلورير Tungsten Explorer إلى بيروت، وكانت قد سبقتها باخرة الدعم اللوجستي اندستروم تايد lundstrom tide المستأجرة من قبل شركة توتال، إلى جانب مروحيتين مخصصتين للدعم اللوجستي ونقل العمال إلى موقع الحفر والتنقيب في البلوك رقم 4.
واكتمال وصول أدوات الحفر وإتمام الاجراءات اللوجستية والقانونية دفع وزارة الطاقة، وهيئة إدارة قطاع البترول، إلى الإعلان عن التوجه لبدء حفر البئر على عمق 1500 متر في المياه، على أن يصل عمق البئر إلى حوالى 4100 متر تحت سطح البحر.
إعلان فلكلوري
على أن الإعلان الرسمي عن الحفر، تولاّه رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي أعلن في خطاب مقتضب يوم الأربعاء 26 شباط، أن الحفر سيبدأ يوم الخميس.
لم يحمل الخطاب معلومات جديدة تتعلق بمهمّة الباخرة وفريق العمل، بل كان مناسبة فلكلورية كثرت فيها العبارات الانشائية التي تُسمَع في كل الخطابات وعلى مختلف مضامينها. إذ اعتبر عون أن بدء الحفر هو “يوم تاريخي سيشهده لبنان وسيفصل بين ما قبله وما بعده. وسوف يذكره حاضر لبنان ومستقبله، بأنه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسمياً نادي الدول النفطية، الدول الغنية في إحدى أهم مصادر الطاقة في القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين لاقتصاديات البشرية المعاصرة”.
إلى جانب المقدمة الانشائية، كرَّر عون الوعود التي حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب، والمتعلقة بتوفير فرص العمل وإنعاش الاقتصاد. فبرأي عون، سيشكّل بدء الحفر “حجر الأساس للصعود من الهاوية، ومحطة جذرية لتحول اقتصادنا من اقتصاد ريعي نفعي إلى اقتصاد منتج يساهم فيه الجميع ويفيد منه الجميع”.
خلافات سياسية
المعلومات التقنية المتعلقة بعملية الحفر، والاحتمالات التي قد تواجهها شركة توتال، التي تقود تحالف شركات توتال، ايني، نوفاتيك، واضحة منذ بداية الحديث عن الملف النفطي، وتحديد مراحل الاستكشاف الأول الذي نحن بصدده في البلوك رقم 4. ووضوح المعلومات التقنية يحيل النقاش إلى ما هو غير تقني، وتحديداً المرتبط بواقع السلطة السياسية في لبنان، والتي تتعامل مع الملف النفطي على أنه مغارة جديدة يجب التنافس على الاستفادة من الذهب المكتنز داخلها. والتنافس كان قد انطلق رسمياً منذ إطلاق دورة التراخيص الأولى في العام 2017، ولم يُقفَل مع السجال حول تأسيس الصندوق السيادي النفطي. فالخلافات بين القوى السياسية مستعرة حول من سيمسك بالصندوق، وحول وجهة استعمال أمواله، فهل تُستعمَل لسد الدين العام أم في التنمية المستدامة وتطوير البنى التحتية؟
مهما اختلفت الاحتمالات، فإن التجربة خير برهان على أن لا جديد سيتغيّر مع بدء الحفر. فالقوى السياسية لم تتّعظ من التغيير الذي رسمت أولى بوادره ثورة 17 تشرين الأول 2019، وما زالت تتبادل الاتهامات وتتنصل من المسؤولية، وتتعاطى مع بعضها البعض بأسلوب طفولي بحت، فوزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني، اعتبرت أن وصول باخرة الحفر إلى لبنان هو ردٌّ على من ينتقدها، أي ينتقد سياستها التي أدارت بها الوزارة.
آمال فضفاضة
من ناحية ثانية، إن الآمال التي حملها عون في خطابه، تدل إما على عدم معرفة بحقيقة الواقع، وإما عن استسهال إطلاق وعود لن تتحقق. والنتيجة واحدة في الحالتين. إذ أراد عون من خلال الثروة المدفونة تحت البحر، أن يخلق اقتصاداً “تكون فيه طاقاتنا الشابة، بما فيها من اندفاع وعلم وإرادة صلبة، هي المحرك والأساس والغاية. وقد فُتِحَت لها آلاف فرص العمل الحديثة والواعدة”.
وحدها العبارة كافية لكتابة أطروحات وأبحاث حولها. فعن أي اقتصاد يتحدث عون، وعن أي طاقات شابة موعودة بفرص عمل؟ فالاقتصاد اللبناني يتجه نحو المزيد من الارتهان للمؤسسات الدولية، فيما المؤسسات الرسمية تتحضّر لأوسع وأعنف عملية خصخصة، بالإضافة إلى تقليص حجم تدخّل الدولة في الاقتصاد. أما الطاقات الشابة، فباتت خارج البلاد، ومن بقي داخلها، إنما يتحيّن الفرصة لكي يغادر.
وفي السياق، ينبغي على عون وفريقه السياسي أن يراجعوا الخطط الاقتصادية للدول التي سبقتنا بأشواط في عالم النفط. فالسعودية مثلاً، ارتأت في خطتها الاقتصادية 2030 أن تعمل على تنويع اقتصادها، بدل الاعتماد على النفط حصراً، في حين ينظر العونيون إلى النفط على أنه مخلّص الاقتصاد اللبناني، فيما يتناسون أهمية التنويع الذي يعني الاهتمام بالقطاعات الانتاجية. أما الحديث الفضفاض حول نقل الاقتصاد من الريعي إلى المنتج، من دون القيام باجراءات فعلية، وفي زمن تتحكم فيه المصارف بالاقتصاد وبلقمة عيش الشعب، فهو لا يتعدى بيع الناس سمكاً في البحر. والوقت كفيل بغربلة الأمور ووضع النقاط على حروفها. لذلك، يمكن بكل ثقة القول بأن الحديث عن دخول لبنان نادي الدول النفطية، هو كلام غير دقيق ولا يمتّ للحقائق العلمية بصلة.
المصدر: المدن