اخبار العالمرأي حر

طهران على شفا العطش: قنبلة نظام ولاية الفقيه الموقوتة

مهدي عقبائي

مهدي عقبائي
مهدي عقبائي كاتب إيراني – عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية

تدق نواقيس الخطر في العاصمة الإيرانية طهران، ليس بسبب تهديد خارجي، بل بفعل عدو داخلي نما وترعرع على مدى أكثر من أربعة عقود من الإدارة الكارثية والفساد الممنهج. فالمدينة التي يقطنها أكثر من عشرة ملايين نسمة تواجه شبح “يوم الصفر”، حيث قد تنضب مياه الشرب من الصنابير في غضون أسابيع قليلة. هذا التهديد الوجودي ليس مجرد أزمة بيئية ناجمة عن الجفاف، بل هو شهادة دامغة على فشل نظام ولاية الفقيه في إدارة أبسط مقومات الحياة، وكشف فاضح لأولوياته التي تضع بقاءه ومشاريعه التوسعية فوق حياة المواطنين.

 

لقد وصلت مستويات المياه في السدود الخمسة الرئيسية التي تغذي طهران إلى أدنى مستوياتها التاريخية. الأرقام التي تتسرب حتى من وسائل الإعلام الخاضعة لرقابة النظام ترسم صورة قاتمة؛ فسد “أمير كبير”، أحد الشرايين الحيوية للعاصمة، يعمل بأقل من عشرة بالمئة من طاقته الاستيعابية. الوضع ليس أفضل حالاً في سدود أخرى مثل “لار” و”لتيان”، التي تعاني من عجز هائل. تحذيرات مسؤولي النظام أنفسهم، رغم محاولاتهم التهوين من هول الكارثة، تعترف بأن طهران لم تشهد مثل هذا الانخفاض الحاد في منسوب الأمطار ومخزون المياه منذ قرن. لكن إلقاء اللوم على الطبيعة وتغير المناخ وحدهما هو تضليل متعمد يهدف إلى إخفاء الجاني الحقيقي.

 

إن أزمة المياه في إيران، التي تضرب اليوم قلبها السياسي في طهران، هي نتاج مباشر لسياسات مدمرة انتهجها النظام منذ استيلائه على السلطة في قيام ٥٧. لقد تم تجاهل التحذيرات العلمية والبيئية لعقود، لصالح مشاريع “تنموية” عبثية يقودها فيلق الحرس الثوري، والتي لم تكن في جوهرها سوى واجهة للنهب المنظم لثروات البلاد. تم بناء مئات السدود في جميع أنحاء البلاد دون دراسات جدوى بيئية حقيقية، مما أدى إلى تغيير المسارات الطبيعية للأنهار، وتجفيف الأراضي الرطبة، وتدمير النظم البيئية التي كانت تحافظ على التوازن المائي لآلاف السنين.

 

وفي الوقت الذي كانت فيه البنية التحتية للمياه تنهار، وتتسرب قرابة ثلث المياه في شبكات التوزيع المهترئة في طهران، كان النظام يصب المليارات تلو المليارات على برنامجه النووي المشبوه، وتطوير الصواريخ الباليستية، وتمويل الميليشيات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. إن المفارقة الصارخة بين الإنفاق الهائل على أدوات القمع والتوسع الخارجي والإهمال التام للاحتياجات الأساسية للشعب الإيراني، مثل المياه النظيفة، تلخص فلسفة حكم الملالي.

 

هذه الكارثة لا تقتصر على طهران. فمن أصفهان التي شهدت جفاف نهر “زاينده رود” التاريخي واندلاع انتفاضات شعبية للمطالبة بالماء، إلى خوزستان التي تعاني من العطش رغم كونها أرض الأنهار، تتكرر نفس المأساة. إنها أزمة وطنية شاملة تعكس انهيار الدولة وعجزها عن أداء أبسط وظائفها. لقد استنزف النظام المياه الجوفية بشكل جائر عبر حفر آبار غير مرخصة لا حصر لها، وشجع على زراعات مستهلكة للمياه في مناطق قاحلة، كل ذلك لخدمة مصالح شبكاته المافيوية.

 

اليوم، تتحول أزمة المياه من قضية بيئية واقتصادية إلى قنبلة اجتماعية وسياسية موقوتة. فالعطش، مقترناً بالفقر المدقع والتضخم الجامح والقمع الوحشي، يشكل وصفة لانفجار شعبي واسع النطاق. لقد أثبتت الانتفاضات السابقة أن الشعب الإيراني لن يقف مكتوف الأيدي وهو يرى مستقبله ومستقبل أبنائه يُسرق ويُدمر. إن النظام الذي لم يتردد في إطلاق النار على المتظاهرين المطالبين بالخبز والحرية، لن يتمكن من إخماد نيران ثورة العطش.

 

إن الحل لأزمة المياه، وكافة الأزمات التي تخنق إيران، لا يكمن في حلول تقنية جزئية أو دعوات فارغة لترشيد الاستهلاك يطلقها المسؤولون الفاسدون أنفسهم. الحل يكمن في تغيير سياسي جذري. إن نظام ولاية الفقيه هو المشكلة الأساسية، وإزالته هي الخطوة الأولى والضرورية لإنقاذ إيران من الكوارث التي جرها عليها. إن المقاومة الإيرانية، ممثلة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قدمت خططاً بديلة طالما دعت إلى تنمية مستدامة تحترم البيئة وتضع مصلحة المواطن أولاً. إن تحقيق إيران حرة وديمقراطية هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل يعود فيه الماء ليجري في الأنهار، والأمل ليعود ويسكن في قلوب الإيرانيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى