احتفال الثّالث من أيلول هذا العام أثار فيّ شهيّة الشّهادة.
كدت أعود إلى لوحة تحمل أسماء آلاف الشّهداء، أفتّش فيها عن اسمي.
كدت أصرخ: لمَ اسقطتموه؟!
لولا أن نبّهتني يمين سيّدة، ربّتت على كتفي، لتخبرني أنّها أخت شهيد، وتتأكّد من أنّي من تقرأ له: ” عمر سعيد”.
كانت تجلس خلفي..
هزّني ذلك، وكدت أطلب منها أن تحلّ مكاني، فلمَ يتقدم حكاء مثلي دموع أهالي الشّهداء؟
أنا على يقين أنّ كلّ الشّهداء قد سَرَّهُم هذا الجمال وذا البهاء.
كان الطّقس رقيقًا حدّ براءة ذلك الطّفل الرّفيق، تتابعه الكاميرا، وهو يرفع بكفّيه شعار القوّات.
لعلّها أصوات المرّتلين جعلته نقيًّا نقاء الغيوم الّتي افترشها موكب الوافدين من السّماء.
بكيتُ مع النّاي، وسلتُ حزنًا على أوتار الكمان، وصلّيت علّي أتسلّق سماء تزدحم بالشّهداء.
يا إلهي..!
ساعتان من الحبّ، والصّفاء، والفرح.
لأوّل مرّة في حياتي أرى أهلاً فرحين بأبنائهم الشّهداء.
جعلوني أتمنّى أن أسجّى في قبرٍ سريعًا، علّي أكون في أيلول القادم مع الآتين من السّماء.
كان الكلّ في موكب مهيب.. موكب يليق بالدّماء والتّراب والشّهادة والحياة.
سرقني ذلك المشهد إلى حيث العالقين بين الضّوء والشّهادة.
رفاق أطلّوا من ظلام الزّنزانات في السّجون، يفتّشون عن مكان لهم فوق الغيوم، دون أن يبلغوه.
هم عالقون في انتظارهم، في أحلامهم، في الظّلام، والآلام، وفي الدّموع.
غير أنّي رأيتهم مثلي يصلّون، وقد حجبت عيونهم عن الرّؤية جدران الإسمنت والظّلام الأسود في الشّرق، لكنّهم رغمًا عن أبواب الحديد والسّجان، تسلّلوا إلى المكان، يباركون، ويهنّئون دون أجساد أو كلام. وقد تذكّرونا، وما نسيناهم.
لا أظنّها مصادفة أن تقيم معرابُ على رأس ذلك الجبل الرّصين، حتمًا هي إرادة سكّان السّماء. ترفع الأرض الّتي أحبّوها إلى مصاف السّماوات.
هناك.. في كلّ عام، في غروب الثّالث من أيلوله، أعود وقد ظلّ كثير منّي هناك..
لعلي أرجع إليها شهيدًا.
#عمر_سعيد