نحن صنّاع أنفسنا / بقلم الروائي عمر سعيد
نظرت زوجتي أميرة إلي ضاحكة، وقالت: هل قرأت منشور أخيك عطا؟!
فأجبتها: بالطّبع.
كان عطا قد نشر عن محاولته صباحًا، أن يصنع جوًّا تفاؤليًّا، فيشرب القهوة مع صوت فيروز، ويجالس شروق الشّمس كالأثرياء؛ لكنّ قارورة الغاز الفارغة؛ أطاحت بكلّ أحلامه، فتذكّر أغنية حسن الأسمر:
” كتاب حياتي يا عين”
قالت أميرة: لو أنّ عطا أتمّ تعليمه لوضعك في جيبه الصّغير.
ومن هنا سأبدأ مقالتي..
ليس الإبداع والتّفرد حبلًا يتدلّى من السّماء إلى البعض، يتسلّقونه ساعة يشاؤون، ليعودوا منه بما يدهش الباحثين عن حبل، تدلّى، ولا من يتسلّقه.
لقد منح اللّه الجميع عقولًا متساوية، وفرصًا وافية.
فمنّا من قرّر؛ أن يلحق بساقيه حتّى نهاية الطّريق إلى نفسه.
ومنّا من قرّر التّعامل مع أولويّاته بطريقة ما عرف أنّها آنيّة، ومكلفة في ترتيبها. وهذا هو مربط الكلام.
إن تعليم الأبناء ترتيب الأولويّات هو من أدق المهام التّربوية؛ الّتي علينا أن نجرّم أنفسنا عليها، إن فشل أبناؤنا في خياراتهم.
فكثير من الأهل لا يدرك أن الاسثمار الأنجح؛ يكون في تنمية الإرادة المعرفية عند الأبناء، لتأتي بعدها، تربيتهم على أن وظيفة العقل هي البحث والتّفتيش، وليس الاكتفاء بالتّلقين والاكتساب. حتّى نبلغ بعدها أنّ المال هو من القيم العالية جدًّا، ومهمة هذه القيمة أن نتعرّف بها ولاحقًا، وليس مبكّرًا على عائد ما بذلنا من جهود، فالمال مؤشرعلى نتائج ما بذلنا، وليس ثمنًا له.
أعرف وجدًّا أنّ عطا أذكى منّي، وذهنه أشد صفاء من ذهني.
وكثيرون من هم من حولي أشدّ ذكاء منّى، ولهم من الإمكانيّات الّتي تفوق ما لدي بكثير.
غير أنّي ما أضعتُ وقتًا، سمح لي بالقراءة.
وما فوّت فرصة، أذنت لي بالمحاولة.
وما تنازلت عن تجربة، وإن عرفت أنّ فشلها حتمي.
وما ركبت طائرة بغير هدف القفز إلى الأمام.
لذا تعلّمت أنّ استثمارنا في أنفسنا أعظم وأهم من استثمار أهلنا فينا.
فقد ملّ أبي الاسثمار بنا بعد الصّف الثّامن، لذا سفّر من سفّر، واستخدم من استخدم في العمل.
وحدي ركبت السّيّارة إلى بغداد بحثًا عن ذاتي، وإلى اليوم ما وصلت بغداد، ولا نزلت من تلك السّيّارة، ولا بلغت ذاتي الّتي طاردتها على مدار ٤٥ عامًا بين المطارات، والأقطار، والشّوارع، والكتب، والمحاولات، والسّقوط والنّهوض، ولا زلت.
فقد آمنت أننا نحن صنّاع أنفسنا، وتركت لمن حولي فرصة اتّهامي بأنّي فاشل.
عمر سعيد