التّوتة الجذع بقلم عمر سعيد
يوم سكنّا بيتنا الإسمنتيّ، قام أبي بزراعة شجرة توت برّي.
سمعته مرّات عديدة يقول:
“سنقوم بتهجينها بتوت شامي”
طَعّمَ غصنين منها بنوعين من التّوت: أحدهما شامي والآخر بلدي.
كبرتْ التّوتة، وتفرّعَ منها أكثر من غصن برّي جديد. وتأخّرتْ تباشيرُها في الغصنين المطعّمين، حتّى غلب عليها طابعها البرّي من جديد.
شاخت التّوتة، وغلظ جذعها، ولعبنا خلفه الغميّضة لسنوات.
يئس أبي من عدم نجاح تجربته مع تلك التّوتة، فقطع كلّ أغصانها فوق عنق الجذع، وما أبقى منها إلّا غصنًا رفيفًا.
طعّمهه بتوت شامي، وبقينا ننتظر.
غلظ الغصنُ، وصار عندًا، وأثمر، ومن حسن حظّ أبي أنّه أكل منه قبل أن يموت.
كنت أجلس إلى جانبه صيفًا تحت عِنْدها اليتيم، يستند بكتفه إلى جذعها الثّخين، ذاك الّذي أثخنته أختي ربيعة بمسامير طويلة، كانت تعلّق إليها:
كيس لبنة، إبريق فخار مليء بالماء، ربطات ثوم، وبصل أبيض، أطواق بامية، وباذنجان مقدّد.
هزّ برأسه وقال:
“إيّاك أن تظنّ أنّ التّرميم يحدث فارقًا. لو كنّا اقتلعناها، وغرسنا مكانها نصبة توت شامي، لكانت وزّعت على الضّيعة توت”
تذكّرت بكلامه نظرية جان بول سارتر
” الضّرب في أسفل الجدار”
ثمّ رفع يده إلى كيس خام صغير، يحوي كمشة بذور قثاء، كانت ربيعة قد علّقته إلى جانب ما علّقت هناك.
هزّه بيده وقال:
اعلم يا صبي أنّ المُرباية لا قيمة لها لولا بذورها!
أبديت عدم فهمي لمراده، فأكمل:
بدّك فَتْ خبز كثير.. لا يمكنك أن تنجز بعدّة نجارة تقليديّة كرسيًا عصريًّا.
فلكلّ زمن عدّته.
عمر سعيد
المُرباية: هي ثمرة القثاء الّتي تُترك على نبتتها حتّى تطول، وتثخن، ويصفرّ لونها، وتخرج منها رائحة شهيّة.. ثمّ يجف جلدها ويذوب ما في داخلها إلّا بذورها. وكلّ ذلك بهدف إنتاج بذور بلديّة للموسم القادم.