الأكثرية الفاشلة / بقلم عمر سعيد
لمحت على صفحة الصديق المخرج الأردني فيصل الزعبي مقالة للكاتب حازم صاغية بعنوان:
“في تحويلنا إلى شعوب كفكاوية”
ورد في المقالة على لسان كافكا، وقد كان يهوديًا، أن المحيط الذي كان يسكنه كافكا، أطلق على اليهود: الشعب الأجرب.
ويسأل: وكيف لك ألا تفر، وتغادر، وأنت في كل يوم؛ تتعرض إلى مثل هذه الشتائم!
نحن مجتمعات تعاني من عقدة الأكثرية، على اعتقاد أن الأكثرية هي التي تملك كل الخبرات، ومصادر النجاح والثروات.
ولأبسّط كيف ترسخت هذه العقدة، يكفي أن أذكر أن معايير الجودة İSO ليست من نتاج مجتمعاتنا، لا القديمة والجديدة.
ولأن المنطقة كلها ذات تاريخ قبلي، أسقطنا معيار النوع أمام الكم.
فيعاني بلد ذو أغلبية دينية من حكم أقلية من غير ديانته، ويعتبر الأمر كله مؤامرة.
وفي بلدان أخرى حددت المواقع الإدارية والعسكرية للأقليات، فلا تبلغ أعلى منها.
وفي دول أخرى وظفت الأقليات من قبل النظام الحاكم، لتبقى محاصرة فلا تخرج من تحت رعايته.
كثيرًا ما أسمع أراءً سلبية في أن المهاجرين إلى أمريكا قد قضوا على سكانها الأصليين من الهنود.
كذلك أسمع تساؤلات عن سبب تقلص أعداد الأقليات الدينية في الأقطار العربية.
إن أكثرية الوطن العربي ذات الطابع السياسي والديني أكثرية فاشلة، غير منتجة، وتعاني عقدة المؤامرة.
قبل سنوات فشلت الحريرية السياسية في لبنان، فاعتبر أنصارها أن الأمر مؤامرة، كذلك فشلت العونية، وأرجعت الأمر إلى “ما خلونا”, وها هي التجربة الإيرانية تفشل في عمق دارها، وتحمل مسؤولية فشلها إلى الغرب، والخونة والمتآمرين من شعوبها.
وكم من مجلس بلدي محلي سقط بسبب رفض تقبل أكثريته لمعارضة أقليته.
وعلى هذه التجارب يمكننا القياس.
تعتقد الأكثرية أن عليها التخلص من الأقلية حتى تتم لها السيطرة.
كما ترفض الأكثرية تغيير فكرة القطيع في إدارة شؤونها.
إن أزمة الأكثرية تكمن في أزمة السائد والمألوف.
فلقد اعتادت مجتمعاتها على نمط معين وأسلوب طال أمده، ما جعلها تعجز عن التغيير، وتقبل فكرة المؤامرة عند أبسط التململات من واقعها.
إن عقدة الأكثرية التي تشكلت بفعل المألوف الذي قدسه الوقت هي أوضح ما يعزز الفشل.
أعرف مجتمعات فيها نسبة عالية من حملة الشهادات الجامعية، ولها شكل تنظيمي واضح في إدارة شؤونها، لكنها تعاني وبقسوة من الرتابة والسائد والمألوف الذي يحجم انتقالها المطلوب صوب التطوير.
أخيرًا على المعرفة أن تنتج وعيًا وإرادة وفعلًا، يمكنها من إسقاط منطق الأكثرية الجامد لصالح منطق النوع المتحرك الفعال.
وما أكثرية العائلة إلا بسبب زواج القرابة ورفض التنويع في ذلك.
وما أكثرية الطائفة إلا بسبب إنغلاقها عن سواها، واكتفائها بما لديها من موروث.
وما الأكثرية السياسية إلا بسبب رشاوي مالية، أو تربية المواطن على القمع والخوف والتخوين.
وهذا ليس طرحا زردشتيًا، يؤسس على القوة، بل هو طرح نحتاجه لنضمن سيرنا صوب مزيد من الإنسان.
عمر سعيد