كما سقط كوب الشّاي/ عمر سعيد
بعض النّصوص تفلت منّي، كما يفلت كوب شاي من يدي، لأنّي أمسكته بتشتّت.
كلاهما يحرقني.
كوب الشّاي الّذي سقط فوق سروالي، والنّص الّذي أفلت منّي، وتهاوى فوق وجداني.
وبِرَدِّ فعل طبيعيّ، أرفع قماش سروالي عن جسدي، وأنا أنفخ.
كذلك أفعل مع نصوصي.
أرفع وعي عما يخفي، وأنا أنفخ.
في كلا الحالين فقدت الشّاي وتلك النّصوص.
واضطّررت لاستبدال ملابسي، ومزاجي الإبداعي.
مرّة وجدتّ نصًا أفلت منّي.
وجدتّه على شكل نُتَفٍ، تناثرت في عدّة نصوص.
ميّزتُها، وعرفت أنّها لذلك النٌص الّذي سقط.
لكنّي عجزت عن لملمتها حيث تشظّت.
كلّ تلك النّصوص الّتي أحكي عنها، بعضها كُتِبَ، وإن على شكلٍ متناثر، وبعضها لا زالت شظاياه تنغرز في لاوعيي.
وأخاف إن انتزعتها، ألّا أتمكّن من سدّ الثّقوب الّتي ستخلّفها وراءها!
ولا أتخيّل نفسي وأنا أترك ذاكرتي تسيل على شكل وجع لا يتوقّف.
بعض فقرات تلك النّصوص يعود لأبي، يوم حاول أن يكون أبًا قاسيًا، وما أفلح. وبعضها يعود لأمّي، يوم تفجّر غضبها من فعلي على شكل دموع. وبعضها يعود لأخي الّذي ظلّ يبكي يوم سرقت ألعابه، وقد قرّرت ألّا أكبر. وبعضها لأختي، يوم كانت تصبّ الماء فوق قدمي لأغتسل. وبعضها لأصحابي الّذين ما خلعتهم، لكنّي سلكت طريقًا، لا تتّسع لغيري.
لقد سقطَ منّي الكثير فيها.
سقط منّي كلام يصلح للبكاء، وكلام يصلح للشّرود، وآخر يصلح لأن يكون رواية.
سقط مني كتاب نسيت أن أقرأه، لأنّي ما تذكرت عنوانه. وفتاة ظلّ وجهها يرتدي مخيلتي، وما سألتها عن اسمها أو عنوانها.
وغريب أشحت بوجهي عن سؤاله، وكثير من الفقراء، الّذين أخفقت في تحمّل ملامحهم في ذاكرتي عند الكتابة. ورائحة جثّة سمعت رواية موتها، وما رأيتها، غير أنّها ظلت تظهر في نصوصي على شكل قتل.
وأخيرًا إن كلّ ما أكتبه، ليس أكثر من محاولات جمع لكلّ ما سقطت منّي من تلك النّصوص، الّتي لا زالت ندوبها تظهر على شكل بقايا حروق في جدران عوالمي الجوانية، كلّما خلعت انشغالي عنها.
عمر سعيد