إذا مات شاعر / الروائي عمر سعيد
إذا مات شاعر، تخلّفت مواسم القطاف عن محاصيلها، وظلّت القصائد على أغصان الشّعر، إلى أن تجفّ، وتذوي، وتذبل، وتتساقط، وقد نقر دبابير الكلام جوفها، دون أن تصيب منها حلاوة.
إذا مات شاعر نفرت قبرة عن بيوضها، وغادرت أيكها إلى غير عودة، فما جدوى تكاثر القُبّر، وقد غاب من يمنحها طيرانًا لا يكلّ في الخيال.
إذا مات شاعر استحت نهود الفتيات، وانكفأت عن اشرئبابها، وزمّت حلماتها، وقد فقدت كبرياءها في تجاويف القصيدة.
إذا مات شاعر مات المطر في الدّواوين، وخلع اللّيل سواده، وقد أتلف موته حبالًا كانت تشدّ القمر إلى عليائه، فتدلى صفرة، لا تستثير السّاهرين.
إذا مات شاعر كرهت الأوتار قيامها، واعتلّت أنغام، وتقاعست عن الرّقص فوق أقواس الكمان.
إذا مات شاعر استفحل الجوع والموت والحرب في الأرض دون أن يخشى أيّ منها سلطة الشّعر في إدانة.
إذا مات شاعر مات الحب في الأزقة، وفي مقاهي المسافرين، وسار القبح مكبرًا في النّاس، حيّ على البشاعة.
إذا مات شاعر مات نصف الوحي، ونصف الله، ونصف الجنان، ونصف جهنم، وكل القمح، والرّغيف، والسّفر، وتهاوى عرش البكاء، واختفى الف عرّاف ومغني، وأغلقت مطارات، وتوقّفت أنهار عن جريانها القديم.
إذا مات شاعر ماتت الأمّة.
وأنى يكونى لها شاعر يعبىء الكون في قصيدة؟!
لروحك الرحمة والسلام
وداعًا محمد على شمس الدين.