حكي تنّور للكاتب عمر سعيد/ بقلم رنا سمير علم
قراءة في كتاب “حكي تنّور ” للكاتب عمر سعيد.
صدر عام ٢٠٢١ مؤلّف من ١٧٢ صفحة و ٣٧ نص.
صورة الغلاف للفنّان السوري حسن حمام، فدّمت للكتاب الاستاذة حكمت حسن.
“حكي تنّور ” التنّور هو عبارة عن غرفة صغيرة من حجر، مسقوفة بالتراب الأبيض، المخلوط بالقشّ. وفي هذه الغرفة حفرة من الصخر بشكل إجاصة جدرانها مطليّة بالإسمنت الناعم. كانت تستعمل الغرفة لصناعة أرغفة الخبز حيث يلتقي الاطفال والنسوة والعاطلون عن العمل. كانت هذه المساحة تعتبر مساحة حياة ولقاء اهل القرية، حيث يجتمعون، وحيث تُسرَد القصص، وتتناوب الإشاعات، وتنتقل المعتقدات، وتتناقل الموروثات الاجتماعية، والدينية والسياسية، وتحاك القصص الخيالية.
في كتابه، سمعنا من الكاتب قصصاً تناقلها اهل القرية، فأرّخ لتلك الفترة عبر أدب الريف.
سرَدَ لنا بقلمٍ مبدعٍ وحروف وبتحليل العارف بتلك الاحداث شخصيًا، بطريقة عفوية، تلك الجلسات والكلام الذي لا يُعوّل عليه من خرافات ولتٍّ وعجنٍ، الى قصصٍ واقعية عاشها، وروى تفاصيل يوميّاته.
ربط بين الواقع الموروث بطريقة مرحة وأسلوبٍ سهل وبين العالم المتحضر، بين حياة المدينة وتناقضها مع حياة الريف بالنسبة لأهل القرية.
انتقدَ بقلمه اللاذع، المتعارف عليه من خرافاتٍ واساطير، ليس لها اي غد!
كتب بدموع عينيه نصاً، لم يستطع كتابته كاملا مفصّلا عن فراق الوالدة، وهو ابن ال ١٥ عاماً حين غادر الى العراق للدراسة.
زُرنا تنّور قريته عبر قلمه وعشنا قصصها ببساطةِ حياتها الريفية، المكبلة بتقاليد، رفضها بأسلوب إبداعي.
من المواضيع التي تناولها : رجال السياسة- حياة الفتيات- نظرة ابناء الريف للمدينة- منتوجات اهل القرية واهل المدينة – حذاء البيك – التكرار من اخطر أنواع الإدمان -ومطالب الناس. رفع الجهل لا تستره عورة ، لا نأكل مما نصنع، لا نلبس مما نخيط، لا نتعالج، لا نقرا لا نكتب … فرق بين الشرق والغرب – مستقبل المجتمعات ، مجتمع يؤدّب الصغار اذا قلّدوا الكبار، المونة، الالقاب، الغيرة، الوعي، الخدمات، العائليّة، الزواج في القرى، المواطنة، البطالة، العدالة، الحق، المحاسبة، الدين، الايمان بالعلم …
إنتزعَ الصور من الذاكرة ووضعها على الورق، وكانّه لم يغادر الصّويري.
كتبَ في انتقادِ مجتمعه عن حبّ الوطن : ” كيف لجماعة لا تعرف حب الوطن الا في خطبها واغانيها ومقالات جرائدها، أن تبني وطناً ؟ ص ٢٥
وحين دافعَ عن المرأة : “مجتمع عاجز عن كل شيء الا عن الوهم.”
و “المرأة لا تملك جسدها وحق التصرف به ليست حرّة. ” ص ٦٣
و “إنّ المجتمعات التي تحتكر أجساد النساء ان تبلغ التطوّر ولو ناضلت من أجل ذلك الف الف عام”. ص ٦٣
و “الاسرة التي اخاف على جسد القناة اكثر من عقلها تافهة”.
و “ليس كل رأس تحت التاج رأس ملك.” ص ١٠١
إنتقدَ الجهل الموروث، وتأثيره في المجتمع وآثاره السلبية، على الاجيال المتعاقبة، في المجتمعات القروية، التي وإن، انتقل ابناؤها الى المدينة، فهم ينقلون معهم “حكي التّنور ” اليها.
كتابةُ عمر سعيد هي من أنواع التوعية البنّاءة لبناء المجتمعات، التي ما زالت تتأثّر بالحكايا.
هدف الرواية هو إصلاحي وتأريخي، لمجتمع احبّه
نقدُهُ بنّاء، وضعَ فيه الاصبع على الجرح، دون ان يرشّ فيه الملح.
كتابة انسانية، اجتماعية، عميقة المعاني والدلالات.
وانا اقول لعمر سعيد : هنيئا لهذه التربة، والتي بالرغم من حكي التنور، جعلتْ منكَ كاتبا مبدعاً لا مثيل لأدبه.
هنيئًا لذلك البطن الذي حملك !
كتابتك ثكلى بفقدان الوالدة، رحمها الله، وهي الحاضرة في كل تفاصيل كتبك ( حكي تنّور، حجر الألف، من بيت الطّين الى عنّايا)، وكأنني سمعت صوتها الذي اشعل البيادر حنينا وزغاريد، لأنّ :”الصوت ذاكرة انسانية نادرا ما تخون”. ص ١١٩
ورأيت دموعك تسيلُ على الورق حتى الانهيار!
ما احوجنا لقراءة كتبك، لك سماءُ الكلمات ورحابتها، انتَ الذي لم يكن يحيا بالخبز الحاف، بل بوجبات يوميةٍ من الحب والحنين.
لم تترك الصويري، بل تركتْ فيك أثراً، جعل منك كاتبا متألّقاً، كتب بدموع العيون، ورماد التنور، حروفاً من نور، بإدانة الجهل، بجرأةٍ، اعتدنا عليها في كل كتاب، في مجتمعاتٍ، تحوّلُ المهمّ الى نقمة، ولو عاش في غرفة واحدة، اتّسعت ل ١٢ شخصاً.
رنا سمير عَلَم